للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحسن ﴿إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [الأعراف: ٥٦]، فوجد الخبر، وهو: «قريب» عن لفظ الرحمة، وهي مؤنثة؛ إيذانًا بقربه تَعَالَى من المحسنين، فكأنه قال: إن الله برحمته قريب من المحسنين.

وأقرب الهيئات إلى الله: السجود له، وفي الصحيح عن النبي ، قال: «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ العَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ» (١)، وأقرب الأوقات له سُبْحَانَهُ جوف الليل، «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الرَّبُّ مِنْ العَبْدِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ الآخر» (٢)، فهذا قرب خاص غير قرب الإحاطة وقرب البطون، وفى الصحيح من حديث أبي موسى ، أنهم كانوا مع النبي في سفر، فارتفعت أصواتهم بالتكبير، فقال: «أَيُّهَا النَّاسُ ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسكُمْ، فإنكم لا تَدْعُونَ أَصمَّ وَلا غاَئِبًا، إِنَّه معكم سَمِيعٌ قَرِيبٌ، تباركَ اسمُه وتعالى جدُّه» (٣)، فهذا قربه من داعيه وذاكره، يعنى: فأي حاجة بكم إلى رفع الأصوات وهو لقربه يسمعها وإن خفضت، كما يسمعها إذا رفعت؛ فإنه سميع قريب، وهذا القرب هو من لوازم المحبة، فكلما كان الحب أعظم كان القرب أكثر، والتعبد بهذا الاسم هو التعبد بخالص المحبة وصفو الوداد، وأن يكون الإله أقرب إليه من كل شيء وأقرب إليه من نفسه، مع كونه ظاهرًا ليس فوقه شيء.


(١) أخرجه مسلم، رقم الحديث: (٤٨٢).
(٢) أخرجه الترمذي، رقم الحديث: (٣٥٧٩)، والنسائي، رقم الحديث: (٥٧١)، حكم الألباني: صحيح، صحيح وضعيف سنن الترمذي، رقم الحديث: (٣٥٧٩).
(٣) سبق تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>