للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إبصار الله تَعَالَى وشهادته بأحوال عباده وما يدور بينهم، يقول تَعَالَى: ﴿قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ﴾ [الرعد: ٤٣].

وعليه فمن استشعر كمال إبصار الله له واطلاعه على أعماله؛ سلم حتى من معاصي الخلوات، التي حذر منها النبي أصحابه، فعن ثوبان عن النبي أنه قال: «لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا، فَيَجْعَلُهَا الله ﷿ هَبَاءً مَنْثُورًا، قال ثوبان: يا رسول الله صفهم لنا، جلِّهم لنا، أن لا نكون منهم ونحن لا نعلم، قال: أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ، وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ، وَيَأْخُذُونَ مِنَ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ، وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا» (١).

وكلما استيقن العبد رؤية البصير سُبْحَانَهُ لعمله ظاهره وباطنه، أورثه ذلك مزيد عناية في عبادته حتى يصل لمرتبة الإحسان، التي قال عنها النبي في تعريفها: «أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ» (٢).

قال النووي : «هذا من جوامع الكلم التي أوتيها ؛ لأنا لو قدرنا أن أحدنا قام في عبادة وهو يعاين ربه، لم يترك شيئًا مما يقدر عليه من الخضوع والخشوع وحسن السمت، واجتماعه بظاهره وباطنه وعلى الاعتناء بتتميمها على أحسن وجوهها إلا أتى به» (٣).


(١) أخرجه ابن ماجه، رقم الحديث: (٤٢٤٥)، حكم الألباني: صحيح، السلسلة الصحيحة، رقم الحديث: (٥٠٥).
(٢) أخرجه مسلم، رقم الحديث: (٨).
(٣) شرح النووي لصحيح مسلم، (١/ ١٥٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>