للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من غير امتناع أو توقف إلا أن يشاء الله، فالكل مدبر تحت قهر القهار وسلطانه، قال تَعَالَى: ﴿قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ﴾ [الرعد: ١٦].

أنه القاهر القهار الذي قهر العالمين بمشيئته وإرادته النافذة، فلا يتصرف منهم متصرف، ولا يتحرك متحرك، ولا يسكن ساكن إلا بمشيئته وأذنه، ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن (١)، ولو دبر صاحبه كل تدبير وكاد ما شاء، فهؤلاء أهل الشرك والأوثان قوم إبراهيم تنادوا: ﴿حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ﴾ [الأنبياء: ٦٨]، فجمعوا حطبًا كثيرًا جدًّا، ثم أضرموا النيران فيه، وألقوا إبراهيم ، فقهرهم القهار بقوله للنار: ﴿يَانَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (٦٩) وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ﴾ [الأنبياء: ٦٩ - ٧٠]. (٢)

وهؤلاء إخوة يوسف دبروا وخططوا لإقصاء يوسف وإبعاده؛ حتى لا يتمكن أبوه من رؤيته، فيتفرغ لهم، ويقبل عليهم بالشفقة والمحبة، قال تَعَالَى عن قولهم: ﴿اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ (٩) قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ﴾ [يوسف: ٩ - ١٠]، لكن كان قهر الله وتدبيره بخلاف ما أرادوا، فأبقى ذكر أبيه له حتى مع غياب شخصه ﴿وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَاأَسَفَا عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ﴾ [يوسف: ٨٤].

قال ابن كثير : «أعرض عن بنيه، وقال متذكرًا حزن يوسف القديم الأول: ﴿يَاأَسَفَا عَلَى يُوسُفَ﴾ جدد له حزن الابنين الحزن الدفين» (٣)، فقالوا


(١) ينظر: المرجع السابق (ص: ٢٥٢، ٢٥٩).
(٢) ينظر: تفسير ابن كثير (٥/ ٣٥١).
(٣) المرجع السابق (٤/ ٤٠٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>