ثم قبضه الله تَعَالَى إليه؛ لما له عنده من الكرامة العظيمة، فأقام الله أصحابه خلفاء بعده، فبلغوا عنه دين الله، ودعوا عباد الله إلى الله، وفتحوا البلاد والرساتيق والأقاليم والمدائن والقرى والقلوب، حتى انتشرت الدعوة المحمدية في مشارق الأرض ومغاربها.
ثم لا يزال هذا الدين قائمًا منصورًا ظاهرًا إلى قيام الساعة؛ ولهذا قال تَعَالَى: ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾ [غافر: ٥١] أي: يوم القيامة تكون النصرة أعظم وأكبر وأجل» (١).
ومن تأمل في تطبيقات هذا النصر الإلهي ونماذجه مع الأنبياء؛ تجلي له معنى نصر الله تَعَالَى وتحقيق وعده، ومن هذه النماذج ما يلي:
نصر الله تَعَالَى لنوح ﵇، فلما صنع السفينة في أرض صحراء قفر لا ساحل فيها، سخر منه قومه، قال سُبْحَانَهُ: ﴿إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ﴾ [هود: ٣٨]، ولما أوحي إليه ﴿أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ﴾ [هود: ٣٦] دعا ربه بثلاث كلمات فقط، واستنصر الغالب الناصر سُبْحَانَهُ، ﴿أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ﴾ [القمر: ١٠]، فنصره نصرًا من السماء والأرض، بل كانت العلامة على بدء هذا النصر مخالفة لما عليه العادة، يقول تَعَالَى: ﴿فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ﴾ [المؤمنون: ٢٧]، قال السعدي ﵀: «حتى التنور الذي لم تجر العادة بوجود الماء فيه، فضلًا عن كونه منبعًا للماء؛ لأنه موضع النار، يقول تَعَالَى: ﴿فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (١١) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ