للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وصارت محبتهم له هي المحرك لعزائمهم إذا فتروا، والمثير لهممهم إذا قصروا؛ وذلك لأن القلوب والأرواح الصحيحة مجبولة على محبة الكمال، والله تَعَالَى له الكمال التام المطلق، فكل وصف من صفاته له خاصية في العبودية، وسبب لانجذاب القلوب إليه وحده سُبْحَانَهُ (١).

يقول ابن القيم في وصف محبة الله تَعَالَى: «وكما أنه ليس كمثله شيء، فليس كمحبته محبة» (٢).

تعدد أنعامه وأفضاله سُبْحَانَهُ على عباده في شؤون دينهم ودنياهم: فبنعمه أوجدهم، وأبقاهم وأحياهم، وأصلحهم، وأتم لهم الأمور، وكمل لهم الضروريات والحاجيات والكماليات، وهداهم للإيمان والإسلام، وهداهم لحقائق الإحسان، ويسر لهم الأمور، وفرج عنهم الكربات، وأزال المشقات، وشرع لهم الشرائع، ويسرها ونفى عنهم الحرج، وبين لهم الصراط المستقيم وأعماله وأقواله، ويسر لهم سلوكه وأعانهم على ذلك شرعًا وقدرًا، ودفع عنهم المكاره والمضار كما جلب لهم المنافع والمسار، ولطف بهم ألطافًا شاهدوا بعضها وما خفي عليهم منها أعظم.

فجميع ما في الخليقة من محبوبات القلوب والأرواح والأبدان، الداخلية والخارجية، الظاهرة والباطنة، فإنها من كرمه وجوده، يتودد بها إليهم، فالقلوب مجبولة على محبة المحسن إليها، وأي إحسان أعظم من هذا الإحسان الذي يتعذر إحصاء أجناسه، فضلًا عن أنواعه، فضلًا عن


(١) وهذا يتجلى في معاني أسماء الله الحسنى كلها.
(٢) الفوائد (ص: ١٨٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>