للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سادسًا: مشاهدة بره وإحسانه ونعمه الظاهرة والباطنة:

فالإنعام والبر واللطف معان تسترق مشاعره، وتستولي على أحاسيسه، وتدفعه إلى محبة من يسدي إليه النعمة، ويهدي إليه المعروف، والناس مجبولون على محبة من يحسن إليهم، ولا منعم على الحقيقة، ولا محسن إلا الله، فلا محبوب في الحقيقة عند ذوي البصائر إلا الله تَعَالَى، ولا مستحق للمحبة كلها سواه، وإنما يُحَب غيره تبعًا لمحبته سُبْحَانَهُ، وصورُ إحسانه ومظاهرها أجلُّ من أن يحيط بها العبد.

يقول ابن القيم : «لا أحد أعظم إحسانًا من الله سُبْحَانَهُ؛ فإن إحسانه على عبده في كل نفس ولحظة، وهو يتقلب في إحسانه في جميع أحواله، ولا سبيل له إلى ضبط أجناس هذا الإحسان، فضلًا عن أنواعه، أو عن أفراده، ويكفي أن من بعض أنواعه نعمة النفس التي لا تكاد تخطر ببال العبد، وله عليه في كل يوم وليلة أربعة وعشرين ألف نعمة، فإنه يتنفس في اليوم والليلة أربعة وعشرين ألف نفَس، وكل نفَس نعمة منه سُبْحَانَهُ، فإذا كان أدنى نعمة عليه في كل يوم أربعة وعشرين ألف نعمة، فما الظن بما فوق ذلك وأعظم منه: ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا﴾ [النحل: ١٨].

هذا إلى ما يصرف عنه من المضرات، وأنواع الأذى التي تقصده، ولعلها توازن النعم في الكثرة، والعبد لا شعور به بأكثرها أصلًا، والله سُبْحَانَهُ يكلؤه منها بالليل والنهار، كما قال تَعَالَى: ﴿قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ﴾ [الأنبياء: ٤٢]» (١).


(١) طريق الهجرتين (ص: ٣١٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>