للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فحري بالمؤمن بعد هذه الأدلة أن يتواضع لخلق الله ويساعدهم، ويقتدي بنبيه فقد كان أشد الناس تواضعًا، خافضًا لجناحه، رحيمًا بأصحابه، كان يركب الحمار، ويتفقد خادمة المسجد، بل وقصد قبرها فصلى عليها، وكان يباشر الفقراء والمساكين، ويخالط الأعراب لأجل تعليمهم وإرشادهم، ويسلم على الصبيان ويلاطفهم، وكان متواضعًا في طعامه وهيئته ومسكنه، يأكل على الأرض ويفترش الحصير، ويتوسد الرمل، ليس له حاجب يمنع الناس عنه، وكان يقول: «إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَّي وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ القِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقًا، وَإِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِلَيَّ وَأَبْعَدَكُمْ مِنِّي يَوْمَ القِيَامَةِ: الثَّرْثَارُونَ، والمُتَشَدِّقُونَ، والمُتَفَيْهِقُونَ، قالوا: يارسول الله ما المتفيهقون؟ قال: المُتَكَبِّرُونَ» (١)، ومن وصايا سلمان : «تواضع لله؛ فإنه من تواضع لله في الدنيا رفعه الله يوم القيامة» (٢).

وقد كان السلف الصالح يجاهدون أنفسهم لنزع الكبر والتعالي من قلوبهم منذ البداية، لأنهم يعلمون أنه إن تمكن من قلوبهم وطبع عليها فإنها ستصبح لا تعرف معروفًا، ولا تنكر منكرًا؛ بدلالة قوله تَعَالَى: ﴿كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ﴾ [غافر: ٣٥].

فمما روي من حالهم: ما رواه عروة بن الزبير عن عمر بن الخطاب، فقال: «رأيت عمر بن الخطاب على عاتقه قربة ماء، فقلت: يا أمير


(١) أخرجه الترمذي، رقم الحديث: (٢٠١٨)، والخرائطي في مساوئ الأخلاق، رقم الحديث: (٥٩)، حكم الألباني: صحيح، صحيح وضعيف الترمذي، رقم الحديث: (٢٠١٨).
(٢) أخرجه أبو نعيم في الحلية، رقم الحديث: (١/ ٢٠٢)، والبيهقي في البعث والنشور، رقم الحديث: (٢٨٨)، حكم الألباني: صحيح لغيره، صحيح الترغيب والترهيب، رقم الحديث: (٣٧٣٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>