للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سرعته التي أجراه بها وأداره عليها، أو ينحرف عن اتجاهه الذي وجَّهه إليه، لا تشغلُهُ رقابة كبارها عن الرقابة على صغارها، ولا يعوقه حفظ قريبها عن حفظ بعيدها.

ويرقب الأرض فيحفظها في دورتها حول نفسها أمام الشمس؛ حتى لا تنحرف عن دارها الذي رسمه، وحتى تحتفظ بالسرعة التي خصَّها بها، يرقبها في إنباتها وجريان أنهارها، يرقبها من أن تقع السموات عليها ﴿وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [الحج: ٦٥].

ويرقب البحار، فيحفظها من أن تطغى على اليابسة، فتكون بحرًا يعج عجاجه وتصطخب أمواجه.

ويرقب الأجنة فيحفظها في بطون أمهاتها، وتطورها في خلقها ونموها، وتغذيتها وتمامها، وخروجها ﴿يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ﴾ [الزمر: ٦].

ويرقب عباده فيحفظهم من بين يديهم ومن خلفهم، قال تَعَالَى: ﴿لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ﴾ [الرعد: ١١] فللإنسان ملائكة يتعاقبون في الليل والنهار يحفظون بدنه وروحه من كل من يريده بسوء (١).

فسبحان الرقيب الذي لولا رقابته على كل هذه المخلوقات ما قام شيء في الوجود، وسبحان الذي لو تخلت رقابته عن هذا العالم طرفة عين لغرق في طوفان من الظلام وأصبح عدمًا.


(١) ينظر: تفسير السعدي (ص: ٤١٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>