للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا النوع من الهداية هو ما «تفرَّد به سُبْحَانَهُ، فقال لنبيِّه : ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ﴾ [القصص: ٥٦] فالهدى على هذا يجيء بمعنى خلق الإيمان في القلب» (٢).

وهي أكبر نعمة يُنْعِم بها (الهادي) سُبْحَانَهُ على عباده؛ إذ كل نعمة دونها زائلة ومضمحلَّة، وبقدر هدايته تكون سعادته في الدنيا، وطيب عيشه وراحة باله، وكذا فوزه ودرجته في الآخرة.

النوع الرابع: هداية الآخرة، إلى الجنة أو النار، إذا سيق أهلها إليها:

وهي غاية الهدايات، فإن أجلَّ وأعظم ما يمن به الله على عباده أن يهديهم للجنة، يقول تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ﴾ [يونس: ٩].

«ومن هُدِي في هذه الدار إلى صراط الله المستقيم، الذي أرسل به رسله، وأنزل به كتبه، هدي هناك إلى الصراط المستقيم، الموصل إلى جنته ودار ثوابه، وعلى قدر ثبوت قدم العبد على هذا الصراط الذي نصبه الله لعباده في هذه الدار، يكون ثبوت قدمه على الصراط المنصوب على متن جهنم، وعلى قدر سيره على هذه الصراط يكون سيره على ذاك الصراط.

فمنهم من يمر كالبرق، ومنهم من يمر كالطرف، ومنهم من يمر كالريح، ومنهم من يمر كشد الركاب، ومنهم من يسعى سعيًا، ومنهم من يمشي مشيًا، ومنهم من يحبو حبوًا، ومنهم المخدوش المسلم، ومنهم المكردس في النار، فلينظر العبد سيره على ذلك الصراط من سيره على هذا، حذو القذة بالقذة، جزاء وفاقًا ﴿هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [النمل: ٩٠]» (٣).


(٢) تفسير القرطبي (١/ ١٦٠).
(٣) مدارج السالكين، لابن القيم (١/ ٣٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>