للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن مظاهر سعتها: أن الله وسع فيها على عباده، فلم يكلفهم ما ليس في وسعهم وطاقتهم، جعل لهم من كل ضيق مخرجًا، ومن كل حرج يسرًا، كما قال سُبْحَانَهُ: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ﴾ [البقرة: ٢٨٦]، وقال سُبْحَانَهُ: ﴿مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ﴾ [المائدة: ٦]، أي: مشقة وعسر، بل يسره غاية التيسير، وسهله بغاية السهولة، كما قال: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة: ١٨٥] [البقرة: ١٨٥].

ووجه ذلك: أنه سُبْحَانَهُ ما أمر وألزم إلا بما هو سهل على النفوس، لا يثقلها ولا يؤودها، فأصل الأوامر والنواهي ليست من الأمور التي تشق على النفوس، بل هي غذاء للأرواح ودواء للأبدان، وحمية عن الضرر، فالله تَعَالَى أمر العباد بما أمرهم به رحمة وإحسانًا، ثم إذا عرض بعض الأسباب الموجبة للتخفيف، خفف ما أمر به، إما بإسقاطه، أو إسقاط بعضه، فالصلاة -التي هي أكبر أركان الإسلام بعد الشهادتين- تجب في الحضر أربعًا، وفي السفر تقصر إلى ثنتين، وتصلى رجالًا وركبانًا، مستقبلي القبلة وغير مستقبليها، والقيام فيها يسقط بعذر المرض، فيصليها المريض جالسًا، فإن لم يستطع فعلى جنبه، إلى غير ذلك من الرخص والتخفيفات، في سائر الفرائض والواجبات؛ ولهذا قال : «إِنَّمَا بُعِثْتُ بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ» (١)، وقال: «إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ … » (٢) (٣).


(١) أخرجه أحمد، رقم الحديث: (٢٢٧٢٢)، والطبراني في الكبير، رقم الحديث: (٧٧١٥)، حكم الألباني: صحيح، السلسلة الصحيحة، رقم الحديث: (٢٩٢٤).
(٢) أخرجه البخاري، رقم الحديث: (٣٩).
(٣) ينظر: تفسير ابن كثير (٥/ ٤٥٥ - ٤٥٦)، تفسير السعدي (ص: ١٢٠، ٥٤٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>