للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ربه، وهذه الآفة ربما اعترضت نعمة الجمال، فعرضتها للزوال والنقص والاضمحلال: ﴿وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ﴾ [سبأ: ١٧]» (١).

والناس في التجمل الظاهر الذي هو الملبس والهيئة على ثلاثة أضرب، بعد اتفاقهم في الجمال الباطن:

فمنهم: من حسن ثوبه، وطيب ريحه، ورجل شعره، وادهن، واكتحل، واقتصد في ذلك كله، واحتسب على الله ﷿ ما وجد حلالًا واتسع له، استقامت قلوبهم على ذلك، وهذه طريقة الشاكرين، وقد دَرَجَ على ذلك الكثيرُ من الصحابة والتابعين.

ومنهم: من لَزم البذاذة والشَّعث، واحتمل التَّفَث في الهيئة، إلا ما أقام به السُّنة، وإن وجد الحلال واتسع له؛ زهدًا في التنعم، وإيثارًا لِشَظَف العيش، وهذه طريقة الخائفين والمحزونين، وقد درج على ذلك كثير من الصحابة والتابعين.

ومنهم: من يتقلَّب بين هذا وهذا، وجد الحلال والاتساع فيه؛ ليعمر إلى ربه الطريقتينِ، وتَسَلَّكَ في عبادته الجادتين، وهذه كانت سنة إمام المتقين وسيد المرسلين ، قد كان يلبس الحُلَّة الحمراء- وكان أحسن شيء فيها- والثوبَ ذا العَلَم تارة، ويلبس الرداء النجراني الغليظ الحاشية، والجبَّة الشامية، ويأكل اللحم، ويجوع مرة، ويشبع أخرى، ويرهن درعَه فيما يؤكَل في بيته، ومات- بأبي هو وأمي في كساء مُلَبَّد، وإنما كانوا يراعون في ذلك كله قوامَ قلوبهم، فإذا استقامت قلوبهم لبسوا وأخذوا من ذلك


(١) الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى (ص: ٢٣٠ - ٢٣١).

<<  <  ج: ص:  >  >>