للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومبطئ، ومتقدم ومتأخر، وليس في الطريق واقف البتة، وإنما يتخالفون في جهة المسير، وفي السرعة والبطء: ﴿إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ (٣٥) نَذِيرًا لِلْبَشَرِ (٣٦) لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ﴾ [المدثر: ٥٣ - ٧٣] ولم يذكر واقفًا؛ إذ لا منزل بين الجنة والنار، ولا طريق لسالك إلى غير الدارين البتة، فمن لم يتقدم إلى هذه بالأعمال الصالحة فهو متأخر إلى تلك بالأعمال السيئة.

فإن قلت: كلُّ مُجَدٍّ في طلب شيء لا بد أن يعرض له وقفة وفتور، ثم ينهض إلى طلبه، قلت: لا بد من ذلك، ولكن صاحب الوقفة له حالان: إما أن يقف ليجمَّ نفسه، ويعدها للسير، فهذا وقفته سير، ولا تضره الوقفة؛ فـ «إِنَّ لِكُلِّ عَمَلٍ شِرَّةً، وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةٌ» (١)، وإما أن يقف لداع دعاه من ورائه، وجاذب جذبه من خلفه، فإن أجابه أخره ولا بد! فإن تداركه الله برحمته، وأطلعه على سبق الراكب له وعلى تأخره، نهض نهضة الغضبان الآسف على الانقطاع، ووثب واشتد سعيًا ليلحق الركب، وإن استمر مع داعي التأخر، وأصغى إليه لم يرض برده إلى حالته الأولى من الغفلة، وإجابة داعي الهوى حتى يرده إلى أسوأ منها وأنزل دركًا» (٢).

ويكفي السابقين أن جُعلوا من المقربين، كما قال تَعَالَى: ﴿وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (١٠) أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ﴾ [الواقعة: ١٠ - ١١]، فما من عبد سابق إلى الطاعات إلا فاز بالتقريب من رب البريات.


(١) أخرجه أحمد، رقم الحديث: (٦٨٨٠)، وابن حبان، رقم الحديث: (١١)، حكم الألباني: حسن، السلسلة الصحيحة، رقم الحديث: (٢٨٥٠).
(٢) مدارج السالكين (١/ ٢٦٧ - ٢٦٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>