وفي كتاب الله: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (٦٠) أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ﴾ [المؤمنون: ٦١]، والسابقون في الدنيا إلى الإيمان والأعمال والخيرات هم السابقون في الآخرة لدخول الجنات، وهم المقربون عند الله في جنات النعيم في أعلى عليين.
وهم الذين يعطون من أنفسهم مما أمروا به من كل ما يقدرون عليه من صلاة وزكاة، وصيام وحج، وطاعات وأعمال صالحة.
ومع هذا قلوبهم وجلة وخائفة عند عرض أعمالها على ربها، والوقوف بين يديه؛ خشية أن تكون أعمالهم غير منجية من عذاب الله؛ لكمال علمهم بربهم، وما يستحقه من أنواع العبادات، السابقون هم أعلى الخلق درجات، وأعلاهم مقامات.
والسابق بالخيرات همه في تحصيل الأرباح، وشد أحمال التجارات؛ لعلمه بمقدار الربح الحاصل، فيرى خسرانًا أن يدخر شيئًا مما بيده ولا يتجر به، فيجد ربحه يوم يغتبط التجار بأرباح تجارتهم، ويرى خسرانًا بينًا أن يمر عليه وقت في غير متجر.
والسابقون بالخيرات نوعان: أبرار ومقربون، «فالسابقون المقربون جملة أمرهم: أنهم قوم امتلأت قلوبهم من معرفة الله، وغمرت قلوبهم محبة الله وخشيته، ومراقبته وإجلاله، فسرت المحبة في قلوبهم وأبدانهم، فلم يبق فيها عرق ولا مفصل إلا وقد دخله الحب، وقد أنساهم حبه ذكر غيره، وأوحشهم أنسهم به ممن سواه، قد استغنوا بحبه عن حب ما سواه، وبذكره عن ذكر ما سواه، وبخوفه ورجائه عن خوف ورجاء من سواه، وصارت رغبتهم إليه، وتوكلهم عليه، ورهبتهم منه، وإنابتهم إليه، وسكونهم إليه، وانكسارهم بين