للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خلق السماء بحكمة فتناسبت من كل وجه، في لونها وهيئتها وارتفاعها، وما فيها من القمر والشمس والكواكب النيرات الثوابت منهن والسيارات، فكمل حسنها، وانتفى عنها النقص والعيب، حتى أمر الله بتكرار النظر إليها والتأمل في أرجائها، قال: ﴿فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (٣) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ﴾ [الملك: ٣] عاجزًا عن أن يرى خللًا أو فطورًا، ولو حرص غاية الحرص (١).

وخلق الإنسان بحكمة، فبدأ خلقه من طين، ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين، ثم سواه ونفخ فيه من روحه، وجعل له السمع والأبصار والأفئدة، قال تَعَالَى: ﴿هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [آل عمران: ٦]، وقال: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (١٢) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (١٣) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾ [المؤمنون: ١٢ - ١٤].

خلق الليل، والنهار، والبحار، والجبال، والأشجار وألوان الثمار إلى غير ذلك من مخلوقاته، كل ذلك بإحكام وإتقان يدهش العقول ويحير الألباب، فتبارك الله الحكيم الخبير.

قال ابن القيم : «ومن له نظر صحيح وفكر مستقيم وأعطى التأمل حقه؛ شهد بذلك فيما رآه وعلمه، واستدل بما شاهده على ما خفي عنه؛ فإن الكل صنع الحكيم العليم، ويكفي في هذا ما يعلمه من حكمة خلق


(١) تفسير السعدي (ص ٨٧٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>