الحيوان وأعضائه وصفاته وهيئاته ومنافعه، واشتماله على الحكمة المطلوبة منه أتم اشتمال، وقد ندب سُبْحَانَهُ عباده إلى ذلك؛ فقال: ﴿وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ﴾ [الذاريات: ٢٢]، وقال: ﴿أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ﴾ [الغاشية: ١٧] … إلى آخرها.
وكذلك جميع ما يشاهد من مخلوقاته عاليها وسافلها، وما بين ذلك، إذا تأملها صحيح التأمل والنظر؛ وجدها مؤسسة على غاية الحكمة، مغشاة بالحكمة، فقرأ سطور الحكمة على صفحاتها، وينادي عليها هذا صنع العليم الحكيم، وتقدير العزيز العليم …
ومن نظر في هذا العالم وتأمل أمره حق التأمل علم قطعًا أن خالقه أتقنه وأحكمه غاية الإتقان والإحكام؛ فإنه إذا تأمله وجده كالبيت المبني المعد فيه جميع عتاده، فالسماء مرفوعة كالسقف، والأرض ممدودة كالبساط، والنجوم منضودة كالمصابيح، والمنافع مخزونة كالذخائر، كل شيء منها لأمر يصلح له، والإنسان كالمالك المخول فيه، وضروب النبات مهيأة لمآربه، وصنوف الحيوان مصرفة في مصالحه، فمنها ما هو للدر والنسل والغذاء فقط، ومنها ما هو للركوب والحمولة فقط، ومنها ما هو للجمال والزينة، ومنها ما يجمع ذلك كله كالإبل، وجعل أجوافها خزائن لما هو شراب وغذاء ودواء وشفاء، ففيها عبرة للناظرين وآيات للمتوسمين، وفي الطير واختلاف أنواعها وإشكالها وألوانها ومقاديرها ومنافعها وأصواتها، صافات وقابضات وغاديات ورائحات ومقيمات وظاعنات؛ أعظم عبرة، وأبين دلالة على حكمة الخلاق العليم» (١).
(١) الصواعق المرسلة في الرد على الجهمية والمعطلة (٤/ ١٥٦٦ - ١٥٦٧).