للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من شبهة تعارض الحق، وشهوة تعارض الأمر.

ومن التسليم: عدم السؤال عن تفاصيل الحكمة؛ ولهذا لم يحك الله سُبْحَانَهُ عن أمة نبي صدقت نبيها، وآمنت بما جاء به، أنها سألته عن تفاصيل الحكمة فيما أمرها به، ونهاها عنه، وبلغها عن ربها، بل انقادت، وسلمت، وما عرفت من الحكمة عرفته، وما خفي عنها لم تتوقف في انقيادها، وإيمانها، واستسلامها على معرفته، ولا جعلت طلبه من شأنها … بل يسلم لأمر الله وحكمته، ممتثلًا ما أمر به، سواء ظهرت له حكمته أو لم تظهر، فإن ورد الشرع بذكر حكمة الأمر، أو فقهها العقل، كانت زيادة في البصيرة والداعية في الامتثال، وإن لم تظهر له حكمته لم يوهن ذلك انقياده، ولم يقدح في امتثاله» (١).

«الحكم الثاني: الحكم الكوني القدري: الذي للعبد فيه كسب واختيار وإرادة، والذي إذا حكم به يسخطه ويبغضه ويذم عليه، فهذا حقه أن ينازع ويدافع بكل ممكن، ولا يسالم ألبتة، بل ينازع بالحكم الكوني- أيضًا- فينازع حكم الحق بالحق للحق فيدافع به وله، فإن ضاق ذرعك عن هذا الكلام وفهمه، فتأمل قول عمر بن الخطاب وقد عوتب على فراره من الطاعون، فقيل له: أتفر من قدر الله؟ فقال: (نفر من قدر الله إلى قدر الله) (٢).

ثم كيف ينكر هذا الكلام من لا بقاء له في هذا العالم إلا به، ولا تتم له مصلحة إلا بموجبه، فإنه إذا جاءه قدر من الجوع والعطش أو البرد نازعه وترك الانقياد له ومسالمته، ودفعه بقدر آخر من الأكل والشرب واللباس، فقد


(١) الصواعق المرسلة في الرد على الجهمية والمعطلة (٤/ ١٥٦٠ - ١٥٦١).
(٢) أخرجه البخاري، رقم الحديث: (٥٧٢٩)، ومسلم، رقم الحديث: (٢٢١٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>