فالله حليم ولم يزل ولا يزال حليمًا، ولا يغضب إلا على من لا يستحق الرحمة ولا يصلح في حقه الحلم، وذلك بعد أن يعطيه المهلة والوقت الكافي؛ ليتوب ويهتدي، فإذا لم يرجع أخذه أخذ عزيز مقتدر.
فإذا تيقن العبد سعة حلم الله تَعَالَى، وتيقن شدة عذابه، وجمع بين اليقينين، ولاحظ كلًّا منهما؛ سار على الصراط المستقيم، ولم يغتر بحلم الله عليه، وقام في قلبه المقامان العظيمان: مقام الخوف ومقام الرجاء اللذين جمع الله بينهما في كتابه، حتى لا يغفل غافل عن أحدهما، فيحصل الإفراط أو التفريط، قال تَعَالَى: ﴿نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٤٩) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ﴾ [الحجر: ٤٩، ٥٠]، وقال سُبْحَانَهُ: ﴿إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [الأنعام: ١٦٥]، وقال: ﴿اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [المائدة: ٩٨] إلى غير ذلك من الآيات.
وجمع بينهما رسول الله ﷺ في حديث أبي هريرة ﵁:«لَوْ يَعْلَمُ الْمُؤْمِنُ مَا عِنْدَ اللهِ مِنَ الْعُقُوبَةِ مَا طَمِعَ بِجَنَّتِهِ أَحَدٌ، وَلَوْ يَعْلَمُ الْكَافِرُ مَا عِنْدَ اللهِ مِنَ الرَّحْمَةِ مَا قَنَطَ مِنْ جَنَّتِهِ أَحَدٌ»(١).