وهذا لا ينفي أن الله تَعَالَى قد يخلق بقدرته العلل والأسباب بغير أسبابها ومعلولاتها، وهو ما يسمى بخوارق العادات أو الكرامات والمعجزات.
وفي ذلك يقول ابن القيم ﵀: «الأسباب مظهر حكمته وحمده، وموضع تصرفه لخلقه وأمره فتقدير تعطيلها تعطيل للخلق والأمر، وهو أشد منافاة للحكمة وإبطالًا لها، واقتضاء هذه الأسباب لمسبباتها كاقتضاء الغايات لأسبابها، فتعطيلها منها قدح في الحكمة وتفويت لمصلحة العالم التي عليها نظامه وبها قوامه، وأن الرب سُبْحَانَهُ قد يخرق العادة ويعطلها عن مقتضياتها أحيانًا إذا كان فيه مصلحة راجحة على مفسدة فوات تلك المسببات، كما عطل النار التي ألقى فيها إبراهيم، وجعلها عليه بردًا وسلامًا عن الإحراق؛ لما في ذلك من المصالح العظيمة، وكذلك تعطيل الماء عن إغراق موسى وقومه وعما خلق عليه من الإسالة والتقاء أجزائه بعضها ببعض، هو لما فيه من المصالح العظيمة والآيات الباهرة والحكمة التامة التي ظهرت في الوجود، وترتب عليها من مصالح الدنيا والآخرة ما ترتب.
فهكذا سائر أفعاله سُبْحَانَهُ، مع أنه أشهد عباده بذلك أنه مسبب الأسباب، وأن الأسباب خلقه، وأنه يملك تعطيلها عن مقتضياتها وآثارها، وأن كونها كذلك لم يكن من ذاتها وأنفسها، بل هو الذي جعلها كذلك وأودع فيها من القوى والطبائع ما اقتضت به آثارها، وأنه إن شاء أن يسلبها إياها سلبها، لا كما يقول أعداؤه من الفلاسفة والطبائعيين وزنادقة الأطباء: إنه ليس في الإمكان تجريد هذه الأسباب عن آثارها وموجباتها، ويقولون: لا تعطيل في الطبيعة، وليست الطبيعة عندهم مربوبة مقهورة تحت قهر قاهر، وتسخير مسخر يصرفها كيف يشاء، بل هي المتصرفة المدبرة.