للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البذرة ويغطونها ويغيبونها في الأرض، فكلف عباده بالعمل لأنهم في دار ابتلاء وامتحان، والأخذ بالأسباب حتم على بني الإنسان؛ فهم مستخلفون في ملكه ومخولون في أرضه، فطالب بالعمل والإنفاق مع الإيمان بأنه الخلاق؛ ليصل كل منهم إلى ما قدر له من الأرزاق، فقال تَعَالَى: ﴿آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ﴾ [الحديد: ٧].

أما ما يتعلق بخلق الله سُبْحَانَهُ للأسباب والعلل من غير مسبباتها وعللها، فمن شواهد ذلك أيضًا:

خلق الثمار لمريم بنت عمران من غير نباتها، فكانت تأكل من الثمار بدون أسباب، وفي غير أوانها، كما قال تَعَالَى: ﴿فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَامَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ [آل عمران: ٣٧]، قيل: إنها كانت ترزق بفاكهة الصيف في الشتاء، وفاكهة الشتاء في الصيف (١).

اختيارالله سُبْحَانَهُ لمريم- أيضًا- لتكون محلًّا للابتلاء، فتحمل من غير زوج، على غير عادة النساء، وتلد عيسى، كمعلول بغير علة ونتيجة بلا سبب، يقول تَعَالَى: ﴿فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (١٧) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (١٨) قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (١٩) قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (٢٠) قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا﴾ [مريم: ١٧ - ٢١].


(١) تفسير الطبري (٣/ ٢٤٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>