وجعل هذا النور الباصر في قدر عدسة، ثم أظهر في تلك العدسة صورة السماء والأرض، والشمس والقمر، والنجوم والجبال، والعالم العلوي والسفلي، مع اتساع أطرافه وتباعد أقطاره، واقتضت حكمته سُبْحَانَهُ أن جعل فيها بياضًا وسوادًا، وجعل القوة الباصرة في السواد، وجعل البياض مستقرًّا لها ومسكنًا وزين كلًّا منهما بالآخر.
وجعل الحدقة مصونة بالأجفان والحواجب كما تقدم، والحواجب بالأهداب، وجعلها سوداء؛ إذ لو كانت بيضاء لتفرق النور الباصر، فضعف الإدراك، فإن السواد يجمع البصر ويمنع من تفرق النور الباصر، وخلق سُبْحَانَهُ لتحريك الحدقة وتقليبها أربعًا وعشرين عضلة، لو نقصت عضلة واحدة لاختل أمر العين.
ولما كانت العين كالمرآة التي إنما تنطبع فيها الصور إذا كانت في غاية الصقالة والصفاء، جعل سُبْحَانَهُ هذه الأجفان متحركة جدًّا بالطبع إلى الانطباق من غير تكلف؛ لتبقى هذه المرآة نقية صافية من جميع الكدورات، ولهذا لما لم يخلق لعين الذبابة أجفانًا، فإنها لا تزال تراها تنظف عينها بيدها من آثار الغبار والكدورات … » (١).