للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خلق الخلق ذكورًا وإناثًا، وجعل الرحمة والمودة بينهم؛ ليقع التواصل الذي به دوام التناسل وانتفاع الزوجين، وتمتع كل واحد منهما بصاحبه، قال تَعَالَى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الروم: ٢١].

رعاية الخلق بالتدبير، والتصريف، والحفظ، وسوق الأرزاق والمعاش، قال تَعَالَى: ﴿وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [يونس: ١٠٧]، فبرحمته رعى الخلق بما قدر لهم؛ إذ علم سُبْحَانَهُ مصالحهم ومنافعهم، فقدرها لهم ويسر لهم تحصيلها، ولربما أجرى عليهم المكاره والبلاء ليوصلهم إلى ما يحبون، قال تَعَالَى: ﴿وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (٨٠) فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا﴾ [الكهف: ٨٠، ٨١]، وربما منعهم من كثير من شهواتهم ومحاب نفوسهم؛ لعلمه أن ذلك أصلح لهم (١).

قال ابن القيم : «ولهذا كان من إتمام رحمة أرحم الراحمين: تسليط أنواع البلاء على العبد، فإنه أعلم بمصلحته، فابتلاؤه له وامتحانه ومنعه من كثير من أعراضه وشهواته: من رحمته به، ولكن العبد لجهله وظلمه يتهم ربه، ولا يعلم إحسانه إليه بابتلائه وامتحانه» (٢).

خلق هذا الكون على صفة تكفل للإنسان وغيره من الكائنات حسن العيش؛ فرفع السماء وأمسكها برحمته من أن تقع على الأرض، قال تَعَالَى:


(١) ينظر: فتح الرحيم الملك العلام، للسعدي (ص: ٣٤).
(٢) إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان (٢/ ١٧٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>