وأما في الأخرة: فيرزقهم أعظم الرزق وأجلَّه، ألا وهو رضاه والجنة، قال تَعَالَى: ﴿رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا﴾ [الطلاق: ١١]، وقال تَعَالَى: ﴿هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ (٥٣) إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ﴾ [ص: ٥٣، ٥٤].
وهذا الرزق- الرزق الخاص- أعظم الرزق وأنفعه، وهو الرزق على الحقيقة، أما رزق البهائم والكفار فهو منقطع ومنتهي؛ ولذلك لما ذكرسُبْحَانَهُ فضله على العباد عامة، ذكر امتنانه على عباده الموحدين بالرزق الخاص في الدنيا بالإيمان وبالجنة في الآخرة، قال سُبْحَانَهُ: ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف: ٣٢]، وقال سُبْحَانَهُ: ﴿كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا (٢٠) انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا﴾ [الإسراء: ٢٠، ٢١].
وهذا الرزق مع عظمه، إلا أن كثيرًا من الناس يغفل عنه، لا سيما في حال الدعاء، قال السعدي ﵀ منبهًا على استحضاره: «والرزق الذي خص به المؤمنين والذي يسألونه منه شامل للأمرين، ينبغي للعبد إذا دعا ربه في حصول الرزق أن يستحضر بقلبه هذين الأمرين، فمعنى:(اللهم ارزقني) أي: ما يصلح به قلبي من العلم والهدى والمعرفة، ومن الإيمان الشامل لكل عمل صالح وخلق حسن، وما به يصلح بدني من الرزق الحلال الهني الذي لا