للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا حقق العبد التوكل رزقه الرزاق كما يرزق الطير؛ فعن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله : «لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَوَكَّلُونَ عَلَى الله حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرُزِقْتُمْ، كَمَا يُرْزَقُ الطَّيْرُ، تَغْدُو خِمَاصًا (١) وَتَرُوحُ بِطَانًا (٢)» (٣)، فـ «لو توكلوا على الله في ذهابهم، ومجيئهم وتصرفهم، ورأوا أن الخير بيده ومن عنده، لم ينصرفوا إلا سالمين غانمين كالطير، تغدوا خماصًا وتروح بطانًا، لكنهم يعتمدون على قوتهم وجلدهم، ويغشُّون ويكذبون ولا ينصحون، وهذا خلاف التوكل» (٤).

ولا يعني التوكل عدم الأخذ بالأسباب والقعود عن الكسب، بل التوكل: الاعتماد على الله مع الأخذ بالأسباب؛ لأن هذه الأسباب من رزق الله تَعَالَى الذي يسره لعباده وأقدرهم عليه، وأوصلهم إليه، لكن لا يعتمد الإنسان عليها، وإنما يجعل اعتماده على الله ويوقن أن مفاتيح الرزق بيده، وأن خزائن السموات والأرض بيده.

كما يثمر هذا اليقين- بوحدانية الرازق في الرزق وتقديره له- في نفس العبد عدم الخوف من المخلوقين في قطع الرزق؛ لعلمه أن الرزق بيد الله وحده وقد قدره وكتبه، ولا بد أن يصله رضي الخلق أو سخطوا.


(١) تغدو، أي: تذهب أول النهار، خماصًا، أي: ضامرة البطن من الجوع. ينظر: تحفة الأحوذي، المباركفوري (٧/ ٧).
(٢) تروح، أي: ترجع آخر النهار، بطانًا جمع بطين، أي: عظيمة البطن من الشبع. ينظر: المرجع السابق بنفس الصفحة.
(٣) أخرجه الترمذي، رقم الحديث: (٢٣٤٤)، وابن ماجه، رقم الحديث: (٤١٦٤)، حكم الألباني: صحيح، صحيح الجامع الصغير وزيادته، رقم الحديث: (٥٢٥٤).
(٤) شعب الإيمان، للبيهقي (٢/ ٤٠٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>