للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويسمعها - أيضًا- سواء نطق بها الخلق حال الانفراد والتفرق أم حال الاجتماع والاختلاط، ففي اللحظة الواحدة يسمع دعاء الداعين وقراءة القارئين، وأنين الشاكين، وبكاء الباكين، ويجتمع الحجيج في بقعة واحده ويلهج الكل بالدعاء، فيسمعهم في نفس الوقت لا تختلط عليه الأصوات ولا اللغات ولا اللهجات، لا تتداخل ولا تشتبه عليه، ولا يشغله سماع عن سماع، ولا مسألة عن مسألة، لا تغلطه كثرة المسائل، ولا تبرمه كثرة السائلين وإلحاحهم (١).

بل لو قام الجن والإنس كلهم من أولهم إلى أن يرث الله ﷿ الأرض ومن عليها في صعيد واحد، وسألوا الله جميعًا في لحظة واحدة، وكلٌّ عرض حاجته، وكلٌّ تحدث بلهجته ولغته، لسمعهم أجمعين دون أن يختلط عليه صوت بصوت أو لغة بلغة أو حاجة بحاجة.

ومن الدلائل على هذا: قوله سُبْحَانَهُ في الحديث القدسي: «يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ» (٢).

أنه سُبْحَانَهُ يسمع الأصوات على اختلاف أماكنها، فيسمعها في السماء كانت أم في الأرض أم في الجو، قرب مكانها أم بعد، صدرت في خفي المواضع والجهات أم ظاهرها، قال تَعَالَى: ﴿قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [الأنبياء: ٤] (٣).


(١) ينظر: طريق الهجرتين، لابن القيم (ص: ١٢٨)، الحق الواضح المبين، للسعدي (ص: ٣٤).
(٢) سبق تخريجه.
(٣) ينظر: تفسير السعدي (ص: ٧٩٩)، الحق الواضح المبين، للسعدي (ص: ٣٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>