للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأرض يتبوأ منها حيث يشاء، قال تَعَالَى: ﴿وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [يوسف: ٥٦].

* ولما بذل الرسل كافة أعراضهم فيه لأعدائهم، فنالوا منهم وسبوهم؛ أعاضهم من ذلك بأن صلى عليهم هو وملائكته، وجعل لهم أطيب الثناء في سماواته وبين خلقه، فأخلصهم بخالصة؛ ذكرى الدار.

* ولما ترك الصحابة ديارهم وخرجوا منها في مرضاته؛ أعاضهم عنها أن ملكهم الدنيا، وفتح لهم ملك فارس والروم، فمما روي عن أبي ذر أنه عندما فتح قبرص بكى بكاءً أبكى من حوله، قالوا: تبكي وهو يوم عظيم فتح الله بلاد الكفر لأهل الإيمان؟ قال: أبكي؛ لأنه لما غيروا نعمة الله عليهم غير الله ما بهم؛ فأورثنا أرضهم.

* ولما بذل الشهداء أبدانهم له حتى مزقها أعداؤه؛ شكر لهم ذلك بأن أعاضهم منها طيرًا خضرًا أقر أرواحهم فيها ترد أنهار الجنة، وتأكل من ثمارها إلى يوم البعث، فيردها عليهم أكمل ما تكون وأجمله وأبهاه» (١).

ولذلك كله: نُهينا أن نستصغر شيئًا من أعمال البر، ولو كان يسيرًا، يقول تَعَالَى: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: ٢٦١]، وقال لأبي ذر: «لَا تَحْقِرَنَّ مِنَ المَعْرُوفِ شَيْئًا، وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ» (٢).


(١) عدة الصابرين، لابن القيم (ص ٢٨١).
(٢) أخرجه مسلم، رقم الحديث: (٢٦٢٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>