للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والتقوى مبنية على أصلين: الصبر والشكر، وكل من الغنى والفقير لا بد له منهما، فمن كان صبره وشكره أتم كان أفضل، فإن قيل: فإذا كان صبر الفقير أتم وشكر الغني أتم فأيهما أفضل؟ قيل: أتقاهما لله في وظيفته ومقتضى حاله، ولا يصح التفضيل بغير هذا البته، فإن الغني قد يكون أتقى لله في شكره من الفقير في صبره، وقد يكون الفقير أتقى لله في صبره من الغني في شكره، فلا يصح أن يقال: هذا بغناه أفضل، ولا هذا بفقره أفضل، ولا يصح أن يقال: هذا بالشكر أفضل من هذا بالصبر، ولا بالعكس، لأنهما مطيتان للإيمان لا بد منهما» (١).

رابعًا: أركان شكر الله تعالى:

الشكر في حقيقته هو القيام بثلاثة أركان، وهي: (شكر القلب، وشكر اللسان، وشكر الجوارح)، مع ما يكمل ذلك من محبة المشكور والخضوع له، واستعمال نعمه في مرضاته، على أن الإنسان لا يمكن أن يكافئ نعم الله عليه، ولا أن يقوم بوظيفة الشكر لله تَعَالَى، كما دل على ذلك قوله تَعَالَى: ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [النحل: ١٨]، وقد دل آخر الآية على تقصير بني آدم في شكر النعم؛ لأن من لا يستطيع إحصاء النعم كيف يقوم بشكرها؟ بل وأي نعمة يعرفها قد لا يدرك حقيقتها، فكيف يقوم باتمام شكرها؟ ولكن حسب الإنسان أن يسدد ويقارب.


(١) عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين، لابن القيم الجوزية (ص: ٧٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>