للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إليهم وهم يسيئون إليه، فقال: (لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ، فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُم المَلَّ، وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنَ اللهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ) (١)».

قطع طريق الشيطان في الاسترسال باستدعاء تفاصيل خطأ من ظلم، فإن الاسترسال يؤجج نار العداوة، ويضرب القلوب بعضها ببعض؛ ولذا جاءت آية العفو مقرونة بالأمر بالاستعاذة من الشيطان الرجيم، يقول تَعَالَى:

﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (١٩٩) وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [الأعراف: ١٩٩ - ٢٠٠].

بل يأتي الأمر الإلهي باختيار أحسن الكلام عند مخاطبة الناس؛ حتى لا يترك للشيطان فرصة للإفساد، يقول تَعَالَى: ﴿وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا﴾ [الإسراء: ٥٣]، ويقول تَعَالَى: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (٣٤) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (٣٥) وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [فصلت: ٣٤ - ٣٦].

العفو عن المسيء والدعاء له: وذلك تأسيًا برسل الله الكرام، فهذا يوسف ألقاه أخوته في البئر، وقال تَعَالَى عنهم: ﴿قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ﴾ [يوسف: ٧٧]، فكان رد يوسف عندما اقتدر ودخلوا عليه في ملكه: ﴿لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ [يوسف: ٩٢]، فابتدأ كلامه بنفي التعيير والتوبيخ، ثم دعا لهم.


(١) أخرجه مسلم، رقم الحديث: (٢٥٥٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>