القرآن على الأكبر دون الأصغر، ومن شواهد ذلك، قوله -جل وعلا-: ﴿وَقَالَ الْمَسِيحُ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ﴾ [المائدة: ٧٢]، فقوله في الآية: يشرك هو- أيضًا-: فعل داخل في سياق الشرط، فيكون عامًّا.
لكن هل يدخل فيه الشرك الأصغر والخفي؟ الجواب: أنه لا يدخل بالإجماع؛ لأنه تحريم الجنة، وإدخال النار، والتخليد فيها، إنما هو لأهل الموت على الشرك الأكبر، فدلنا ذلك على أن المراد بقوله تَعَالَى: ﴿إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ﴾ [المائدة: ٧٢]
أهل الإشراك بالله الشرك الأكبر، فلم يدخل فيه الأصغر، ولم يدخل ما دونه من أنواع الأصغر، فيكون المفهوم- إذًا- من آيتي سورة النساء كالمفهوم من آية سورة المائدة، ونحوها، وهذا كقوله تَعَالَى في سورة الحج ﴿وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ
فهذا ونحوه وارد في الشرك الأكبر، ويكون- على هذا القول- المراد بما نفي هنا في قوله تَعَالَى: ﴿لَا يَغْفِرُ أَنْ﴾ [النساء: ٤٨] الشرك الأكبر.
ولما كان اختيار إمام الدعوة، كما هو اختيار عدد من المحققين: كشيخ الإسلام: ابن تيمية، وابن القيم وغيرهما أن العموم هنا شامل لأنواع الشرك: الأكبر، والأصغر، والخفي؛ كان الاستدلال بهذه الآية صحيحًا؛ لأن الشرك أنواع، وإذا كان الشرك بأنواعه لا يغفر، فهذا يوجب الخوف منه أعظم الخوف، فإذا كان الشرك الأصغر: كالحلف بغير الله، وتعليق التميمة،