ومن أقربها كرمه سُبْحَانَهُ على الإنسان، قال تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾ [الإسراء: ٧٠]، ومن ذلك:
خلقه وإيجاده على أحسن صورة من غير سؤال ولا طلب، قال تَعَالَى: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾ [التين: ٤]«تام الخلق، متناسب الأعضاء، منتصب القامة، لم يفقد مما يحتاج إليه ظاهرًا أو باطنًا شيئًا»(١).
رعايته وهو جنين، وطفل رضيع لا يملك حول ولا قوة.
قال ابن القيم ﵀: «تدبر وأنت جنين في بطن أمك في موضع لا يد تنالك ولا بصر يدركك ولا حيلة لك في التماس الغذاء، ولا في دفع الضرر، فمن الذي أجرى إليك من دم الأم ما يغذوك، كما يغذو الماء النبات، وقلب ذلك الدم لبنًا، ولم يزل يغذيك به في أضيق المواضع، وأبعدها من حيلة التكسب والطلب.
حتى إذا كمل خلقك واستحكم، وقوي أديمك على مباشرة الهواء، وبصرك على ملاقاة الضياء، وصلبت عظامك على مباشرة الأيدي، والتقلب على الغبراء، هاج الطلق بأمك فأزعجك إلى الخروج أيما ازعاج إلى عالم الابتلاء، فركضك الرحم ركضةً من مكانك كأنه لم يضمك قط ولم يشتمل عليك فيما بعد، ما بين ذلك القبول والاشتمال حين وضعت نطفة، وبين هذا الدفع والطرد والإخراج، وكان مبتهجًا بحملك، فصار يستغيث ويعج إلى ربك من ثقلك.