للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والسكون، الذي ينزله الله في قلب عبده عند اضطرابه من شدة المخاوف، فلا ينزعج بعد ذلك لما يرد عليه، ويوجب له زيادة الإيمان وقوة اليقين والثبات؛ ولهذا أخبر سُبْحَانَهُ عن إنزالها على رسوله وعلى المؤمنين في مواضع القلق والاضطراب، كيوم الهجرة إذ هو وصاحبه في الغار والعدو فوق رءوسهم، لو نظر أحدهم إلى ما تحت قدميه لرآهما، وكيوم حنين حين ولوا مدبرين من شدة بأس الكفار، لا يلوي أحد منهم على أحد، وكيوم الحديبية حين اضطربت قلوبهم من تحكم الكفار عليهم، ودخولهم تحت شروطهم التي لا تحملها النفوس، وحسبك بضعف عمر عن حملها- وهو عمر- حتى ثبته الله بالصِّدِّيق » (١).

ومن لطف سُبْحَانَهُ بعبده الضعيف: أن يعافيه من أسباب الابتلاء التي تضعف إيمانه وتنقص يقينه، كما لطف بالمؤمن القوي، فهيأ له أسباب الابتلاء والامتحان، وأعانه عليها، فزاد بذلك إيمانه وعظم أجره، فسبحان اللطيف في ابتلائه، وعافيته، وعطائه، ومنعه (٢).

ومن تأمل في قصص أنبياء الله، رأى في ظاهرها محنًا وابتلاءات، ولكنها في الباطن طرق خفية أدخلهم بها إلى غاية كمالهم وسعادتهم، ومن شواهد ذلك:

أكل آدم من الشجرة التي نهى عنها، وإخراجه بسببها من الجنة، كم فيه من حكمة بالغة لا تهتدي العقول إلى تفاصيلها!

- في قصة موسى، وما لطف له من إخراجه في وقت ذبح فرعون


(١) مدارج السالكين (٢/ ٥٠٣).
(٢) ينظر: المواهب الربانية من الآيات القرآنية، للسعدي (٧١ - ٧٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>