للأطفال، ووحيه إلى أمه أن تلقيه في اليم، وسوقه بلطفه إلى دار عدوه الذي قدر هلاكه على يديه، ثم قدر له سببًا أخرجه من مصر وأوصله به إلى موضع لا حكم لفرعون عليه، ثم قدر له سببًا أوصله به إلى النكاح والغنى، ثم ساقه إلى بلد عدوه، فأقام عليه به حجته، ثم أخرجه وقومه في صورة الهاربين الفارين منه، وكان ذلك عين نصرتهم على أعدائهم وإهلاكهم وهم ينظرون.
في قصة يوسف حين قص على يعقوب رؤياه؛ فعلم أن أخوته سيكيدون له، ثم تآمر إخوة يوسف أن يقتلوه، فلطف به وأشار لهم أخوهم بعدم قتله وإلقائه في الجب، ثم ما آلمه في الجب من خوف وظلمة، وبعد ذلك شراء عزيز مصر له، ومراودة امرأة العزيز والنسوة له، ومكثه في السجن سنين، فلطف به (اللطيف) وأوَّل رؤيا الفتيين، ثم الملك، وسبحان من لطف به بهذه الرؤيا حتى يمكَّن في مصر، فيقدر الله الجدب للبلاد حتى يلتقي بإخوته، حتى جاء بأبيه وإخوته لأرض مصر، وما زال في كل ذلك صابرًا محسنًا، ليقول- بعد كل هذه البلايا والمحن-: ﴿إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾ [يوسف: ١٠٠].
وهذا كله مما يبين أنه سُبْحَانَهُ يفعل ما يفعله لما يريده من العواقب الحميدة، والحكم العظيمة، التي لا تدركها عقول الخلق، مع ما في ضمنها من الرحمة التامة والنعمة السابغة، والتعرف إلى عباده بأسمائه وصفاته، وكذلك ما قدره لسيد ولده من الأمور التي أوصله بها إلى أشرف غاياته، وأوصله بالطرق الخفية فيها إلى أحمد العواقب، فتبارك اللطيف الرحيم الحكيم سُبْحَانَهُ (١).