للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٤ - بيانه أن شرف المخلوق وكماله إنما يكون بتحقيقها، فشرف الملائكة بها ﴿بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (٢٦) لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ﴾ [الأنبياء: ٢٦ - ٢٧]، وشرف الأنبياء بها، فقال سُبْحَانَهُ عن أيوب وسليمان : ﴿نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾ [ص: ٣٠]، وقال سُبْحَانَهُ: ﴿وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ﴾ [ص: ٤٥]، وشرف رسوله بوصفه بها في أعلى مقامات التكريم، فوصفه بها في مقام إنزال القرآن: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا﴾ [البقرة: ٢٣]، وفي مقام الدعوة: ﴿وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا﴾ [الجن: ١٩]، وفي مقام الإسراء: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا﴾ [الإسراء: ١] (١).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية : «كمال المخلوق في تحقيق عبوديته لله تَعَالَى، وكلما ازداد العبد تحقيقًا للعبودية ازداد كماله وعلت درجته» (٢).

٥ - بيانه أن العبودية لازمة للعبد في أحواله كلها، فتلزمه في حياته إلى مماته كما قال تَعَالَى: ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾ [الحجر: ٩٩]، أي: الموت، وتلزمه بعد الحياة في البرزخ حينما يسأله الملكان، وتلزمه في القيامة حينما يدعو الله الخلق كلهم إلى السجود فيسجد المؤمنون ويبقى الكافرون والمنافقون لا يستطيعون السجود، فإذا وصلوا دار الثواب والعقاب انقطع التكليف بالعبادة، وصارت عبودية أهل الثواب تسبيحًا مقرونًا بأنفاسهم لا يجدون له تعبًا ولا نصبًا (٣).


(١) ينظر: العبودية، لابن تيمية (ص: ٤٦ - ٤٧).
(٢) العبودية، لابن تيمية (ص: ٨٠).
(٣) ينظر: مدارج السالكين، لابن القيم (١/ ١٢٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>