للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ﴾ [الزمر: ٦٩ - ٧٠] (١).

فتتطاير الصحف في الأيمان والشمائل، وينادى العباد بأسمائهم على رؤوس الخلائق: أين فلان بن فلان؟ هلم إلى العرض على الديان.

وقد وكلت الملائكة بأخذ المنادى، لا يمنعها اشتباه الأسماء والألوان والأشكال حتى توقفه ماثلًا بين يدي الله الحسيب، وصحيفته في يده مخبرة بعمله، لا تغادر بلية كَتَمَها، ولا مخبأة أَسَرَّهَا، ويقال: ﴿اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا﴾ [الإسراء: ١٤].

فكم من بلية نسيها صاحبها قد ذكره إياها! وكم من سيئة أخفاها قد أظهرها وأبداها! وكم من عمل ظن أنه سلم وخلص فرد عليه وأحبط (٢) ﴿يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ﴾ [النور: ٢٥] أي: حسابهم (٣).

ثم إن هذا الحساب بين يدي الحسيب الديان يبدأ بأمة محمد ، ويتفاوت بحسب أعمال العباد، فمنهم من حسابه عسير، فهؤلاء هم: الكفرة المجرمون الذين أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانًا، وتمردوا على شرع الله، وكذبوا بالرسل، وبعض عصاة الموحدين قد يطول حسابهم ويعسر بسبب كثرة الذنوب وعظمها.

وكل ما كان العبد أشد عصيانًا وتمردًا، كلما كان الله أشد حسابًا له، كما قال سُبْحَانَهُ: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا


(١) ينظر: تفسير الطبري (٢١/ ٣٣٥).
(٢) ينظر: التوهم في وصف أحوال الآخرة، للحارث المحاسبي (ص: ٢٢)، والتذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة، للقرطبي (١/ ٣٣١ - ٣٣٢).
(٣) ينظر: تفسير الطبري (١٩/ ١٤١).

<<  <  ج: ص:  >  >>