للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن لم يتداركها بأدويتها المضادة لها، فإذا استعمل تلك الأدوية حصل له الشفاء، ولهذا يقال: «شفي غيظه» فإذا استولى عليه عدوه آلمه ذلك، فإذا انتصف منه اشتفى قلبه، قال تَعَالَى: ﴿قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (١٤) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة: ١٤ - ١٥]، فأمر بقتال عدوهم، وأعلمهم أن فيه ستَّ فوائد.

فالغيظ يؤلم القلب، ودواؤه في شفاء غيظه، فإن شَفاه بحق اشتفى، وإن شفاه بظلم وباطل زاده مرضًا من حيث ظن أنه يشفيه … ، وكذلك الجهل مرض يؤلم القلب، فمن الناس من يداويه بعلوم لا تنفع، ويعتقد أنه قد صح من مرضه بتلك العلوم، وهي في الحقيقة إنما تزيده مرضًا إلى مرضه؛ لكن اشتغل القلب بها عن إدراك الألم الكامن فيه، بسبب جهله بالعلوم النافعة، التي هي شرط في صحته وبُرْئه، قال النبي في الذين أفتوا بالجهل، فهلك المستفتي بفتواهم: «قَتَلُوهُ قَتَلَهُمُ اللهُ، أَلَا سَأَلُوا إِذْ لَمْ يَعْلَمُوا، فَإِنَّمَا شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالُ» (١)، فجعل الجهل مرضًا، وشفاءه سؤال أهل العلم.

والمقصود: أن من أمراض القلوب ما يزول بالأدوية الطبيعية، ومنها ما لايزول إلا بالأدوية الشرعية الإيمانية» (٢).

النوع الثاني: الشفاء المادي، وهو الشفاء من علل الأبدان:

فإن الشفاء من الأمراض لا يحدث بالطبيب وخبرته، أو بالدواء وقوته، وإنما يحدث بإذن الله وقدرته، فالله ﷿ خالق البدن ومدبر أمره، يعلم الداء والدواء


(١) أخرجه أبو داود، رقم الحديث: (٣٣٦)، حكم الألباني: حسن لغيره، رقم الحديث: (٥٣١).
(٢) إغاثة اللهفان (١/ ١٦ - ١٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>