نقصان شهود منة الله عليه في إعطائه المال وحرمان غيره، وتوفيقه للبذل ومنع غيره منه، فلله المنة عليه من كل وجه، فكيف يشهد قلبه منة غيره.
والنوع الثاني: أن يمن عليه بلسانه، فيعتدي على من أحسن إليه بإحسانه، ويريه أنه اصطنعه، وأنه أوجب عليه حقًّا وطوقه منةً في عنقه، فيقول: أما أعطيتك كذا وكذا؟ ويعدد أياديه عنده، قال سفيان:(يقول: أعطيتك فما شكرت)، وقال عبد الرحمن بن زياد:(كان أبي يقول: إذا أعطيت رجلًا شيئًا، ورأيت أن سلامك يثقل عليه فكفَّ سلامك عنه).
وكانوا يقولون:(إذا اصطنعتم صنيعةً فانسوها، وإذا أسديت إليكم صنيعة فلا تنسوها)» (١).
وللمنة آثار سيئة، لا سيما إذا كانت في الطاعة، فقد بين الله أثرها على الطاعات عمومًا وعلى الصدقات خصوصًا، فبين أنها:
١ - مبطلة للعمل، قال تَعَالَى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾ [البقرة: ٢٦٤]، قال ابن كثير ﵀: «فأخبر أن الصدقة تبطل بما يتبعها من المن والأذى، فما يفي ثواب الصدقة بخطيئة المن والأذى، ثم قال تَعَالَى: ﴿كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ﴾ أي: لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى، كما تبطل صدقة من راءى بها الناس، فأظهر لهم أنه يريد وجه الله، وإنما قصده مدح الناس له أو شهرته بالصفات الجميلة، ليشكر بين الناس، أو يقال: إنه كريم ونحو ذلك من المقاصد الدنيوية، مع
(١) طريق الهجرتين وباب السعادتين، لابن القيم (ص: ٣٦٦).