للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الله تَعَالَى لأجل أن تستعمل نعمه في محابه، قال تَعَالَى: ﴿اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾ [سبأ: ١٣]، فجعل العمل شكرًا، ذلك أن الشكر سلوك عملي، وليس كلمة تقال باللسان، كما أن الإيمان سلوك عملي وليست كلمة تقال باللسان، يقول : «يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلَامَى مِنْ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ، فَكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنِ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ، وَيُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا مِنَ الضُّحَى» (١)، وهذا الحديث دليل بين على أن الشكر يكون بالعمل والطاعة.

«ومما روي أن رجلًا سأل أبا حازم: ما شكر العينين يا أبا حازم؟ قال: إن رأيت بهما خيرًا أعلنته، وإن رأيت بهما شرًّا سترته، قال: فما شكر الأذنين؟ قال: إن سمعت بهما خيرًا وعيته، وإن سمعت بهما شرًّا دفعته، قال: شكر اليدين؟ قال: لا تأخذ بهما ما ليس لهما، ولا تمنع حقًّا لله هو فيهما، قال: فما شكر البطن؟ قال: أن يكون أسفله طعامًا، وأعلاه علمًا، قال: فما شكر الفرج؟ قال: قال الله تَعَالَى: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (٥) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (٦) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ﴾ [المؤمنون: ٥ - ٧]، قال: فما شكر الرجلين؟ قال: إن علمت ميتًا تغبطه استعملت بهما عمله، وإن مقته رغبت عن عمله وأنت شاكر لله، وأما من شكر بلسانه، ولم يشكر بجميع أعضائه، فمثله كمثل رجل له كساء فأخذ بطرفه ولم يلبسه، فما ينفعه ذلك من الحر والبرد والثلج والمطر» (٢).


(١) أخرجه مسلم، رقم الحديث: (٧٢٠).
(٢) عدة الصابرين، لابن القيم (ص ١٣٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>