وإصلاحهم، كما امتن الله على مريم في قوله تَعَالَى: ﴿فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا﴾ [آل عمران: ٣٧] إلى آخر قصتها، ومن ذلك إذا نشأ بين أبوين صالحين وأقارب أتقياء، أو في بلد صلاح، أو وفقه الله لمقارنة أهل الخير وصحبتهم، أو لتربية العلماء الربانيين، فإن هذا من أعظم لطفه بعبده، فإن صلاح العبد موقوف على أسباب كثيرة منها، بل من أكثرها وأعظمها نفعًا هذه الحالة.
ومن لطف الله بعباده: أن يجعل رزقهم حلالًا في راحة وقناعة يحصل به المقصود، ولا يشغلهم عما خُلقوا له من العبادة والعلم والعمل، بل يعينهم على ذلك، ويفرغهم ويريح خاطرهم وأعضاءهم، ولهذا من لطف الله تَعَالَى لعبده أنه ربما طمحت نفسه لسبب من الأسباب الدنيوية التي يظن فيها إدراك بغيته، فيعلم الله تَعَالَى أنها تضره وتصده عما ينفعه، فيحول بينه وبينها، فيظل العبد كارهًا، ولم يدر أن ربه قد لطف به حيث أبقى له الأمر النافع، وصرف عنه الأمر الضار، قال تَعَالَى: ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ [الملك: ١٤]، ولهذا كان الرضى بالقضاء في مثل هذه الأشياء من أعلى المنازل.
ومن لطف الله بعباده: أنه إذا قدر لهم طاعة جليلة لا تنال إلا بأعوان، أن يقدر لهم أعوانًا عليها ومساعدين على حملها؛ قال موسى ﵇: ﴿وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي (٢٩) هَارُونَ أَخِي (٣٠) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (٣١) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (٣٢) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا (٣٣) وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا﴾ [طه: ٢٩ - ٣٤]، فامتن الله عليه بإجابته لسؤاله سُبْحَانَهُ: ﴿قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَامُوسَى (٣٦) وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى﴾ [طه: ٣٦ - ٣٧]، وكذلك امتن على عيسى ﵇ بقوله: ﴿وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي