وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ﴾ [المائدة: ١١١]، وامتن على سيد الخلق في قوله تَعَالَى: ﴿هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأنفال: ٦٢].
ومن لطف الله بعباده: أن يعطي عباده من الأولاد، والأموال، والأزواج ما به تقر أعينهم في الدنيا، ويحصل لهم السرور، ثم يبتليهم ببعض ذلك ويأخذه، ويعوضهم عليه الأجر العظيم إذا صبر واحتسب، فنعمة الله عليه بأخذه على هذا الوجه أعظم من نعمته عليه في وجوده وقضاء مجرد وطره الدنيوي منه، وهذا- أيضًا- خير وأجر خارج عن أحوال العبد بنفسه، بل هو لطف من الله له أن قيض له أسبابًا أعاضه عليها الثواب الجزيل، والأجر الجميل.
ومن لطف الله بعبده: قدر الواردات الكثيرة، والأشغال المتنوعة، والتدبيرات، والمتعلقات الداخلة والخارجة التي لو قُسمت على أمة من الناس لعجزت قواهم عنها أن يمنَّ عليه بخلق واسع، وصدر متسع، وقلب منشرح؛ بحيث يعطي كل فرد من أفرادها نظرًا ثاقبًا وتدبيرًا تامًّا وهو غير مكترث ولا منزعج لكثرتها وتفاوتها، بل قد أعانه الله تَعَالَى عليها ولطف به فيها، ولطف له في تسهيل أسبابها وطرقها.
وإذا أردت أن تعرف هذا الأمر، فانظر إلى حالة المصطفى ﷺ الذي بعثه الله بصلاح الدارين وحصول السعادتين، وبعثه مكملًا لنفسه ومكملًا لأمة عظيمة هي خير الأمم، ومع هذا مكنه الله ببعض عمره الشريف في نحو ثلث عمره أن يقوم بأمر الله كله على كثرته وتنوعه، وأن يقيم لأمته جميع دينهم، ويعلمهم جميع أصوله وفروعه، ويخرج الله به أمة كبيرة من الظلمات إلى النور، ويحصل به من المصالح والمنافع والخير والسعادة للخاص والعام ما لا تقوم به أمة من الخلق.