ومن لطفه بعبده الحبيب عنده: إذا مالت نفسه مع شهوات النفس الضارة، واسترسلت في ذلك أن ينغصها عليه ويكدرها، فلا يكاد يتناول منها شيئًا إلا مقرونًا بالمكدرات، محشوًّا بالغصص؛ لئلا يميل معها كل الميل، كما أن من لطفه به أن يلذذ له القربات، ويحلي له الطاعات ليميل إليها كل الميل.
ومن لطيف لطف الله بعبده: أن يأجره على أعمال لم يعملها، بل عزم عليها فيعزم على قربة من القرب، ثم تنحل عزيمته لسبب من الأسباب، فلا يفعلها، فيحصل له أجرها، فانظر كيف لطف الله به فأوقعها في قلبه وأدارها في ضميره، وقد علم تَعَالَى أنه لا يفعلها؛ سوقًا لبره لعبده وإحسانه بكل طريق.
وألطف من هذا: أن يقدر تَعَالَى لعبده ويبتليه بوجود أسباب المعصية ويوفر له دواعيها، وهو تَعَالَى علم أنه لا يفعلها؛ ليكون تركه لتلك المعصية التي توفرت أسباب فعلها من أكبر الطاعات، كما لطف بيوسف ﵇ في مراودة المرأة، وأحد السبعة الذين يظلهم الله في ظله، يوم لا ظل إلا ظله: رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله رب العالمين.
ومن لطف الله بعباده: أن يقدر خيرًا وإحسانًا من عبده، ويجزيه على يد عبده الآخر، ويجعله طريقًا إلى وصوله إلى المستحق، فيثيب اللهُ الأولَ والآخرَ.
ومن لطف الله بعباده: أن يجري بشيء من مالهم شيئًا من النفع وخيرًا لغيرهم، فيثيبهم من حيث لا يحتسبوا، فمن غرس غرسًا أو زرع زرعًا فأصابت منه روح من الأرواح المحترمة شيئًا آجر الله صاحبه، وكذلك لو كان له بهائم انتفع بدرِّها، وركوبها، والحمل عليها، أو مساكن انتفع بسكناها ولو شيئًا