للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يتيسر من يفتح، ما تم هذا الخاطر إلا وقد فتح هو الباب، وليس على رأسه عمامة، ثم قال:

ادخل يا أستاذ-وكان دائما يخاطبني بذلك-فدخلت وقبلت يده، ثم رجع معي وأعطاني خمسة عشر دينارا، ودعا لي بدعوات مناسبة في أمر الرزق، ثم في أثناء السنة احتجت لشراء خادمة تؤنس الوالدة وتخدمها، فعرضت علي خادمة، واحتجت في ثمنها لعشرة دنانير، فعزمت في سري على اقتراضها، ثم جئت للدرس عند الشيخ على العادة، فلما انصرفت، وانصرف الجماعة، أعطاني صرة فيها عشرة بدون زيادة، وقال: إن صلحت ادفعها في ثمنها، وإلا انتفع بها، فاتفق أن بائعها ندم، وسأل الإقالة، ففعلت، وانتفعت بالثمن. ومن ذلك أنني أضمرت في نفسي تيسير قراءتي على الشيخ في خلوته منفردا حتى لا يزاحمني من يغير في الفهم، ونحو ذلك، فما رأيت أسرع من وقوع ذلك، ولما تنبه بعضهم لذلك، وصار يحضر منعه، وصار يقفل الباب، بل إن طرقه طارق لذلك يصرح بمنعه، وكان إذا التمس منه الدعاء لمريض يجيبهم تارة بالدعاء للسائل وللمريض، وتارة للسائل من غير تعرض للمريض، فقل أن يعيش المريض في الثاني، والتمس مني الشرواني-وقد زاره في رجوعه لمصر-أن يدعو له، ففعلت ذلك بعد رجوع الشيخ، فقال لي: يا أستاذ، والله ما سافر إلا وهو في الترسيم، فكان كذلك، مات بعد أيام من وصوله لمصر، بل اتفق أن الأميني والأقصرائي، الفريد في مجموعه علما وخيرا، لما حج، ومعه ابنه، وابتدأ بالزيارة النبوية، ثم توجه لمكة، وما انفصل الابن عنها إلا وهو متوعك، فلما عدت مع الركب أعلمت شيخنا بذلك، فقال: اللهم أرح منه، والله إنه ما يصل لمصر إلا وهو مفتت، فكان كذلك، ما وصل إلى الينبع إلا ميتا، ثم بعد نقل لمصر، فلم يصل إلا مفتتا، مع أن شيخنا ما سمعه يدعو على أحد ومنه: أنه أشيع بمجيء الأشرف قايتباي للحج في سنة وفاة الشيخ، فقال الشيخ: إنه لا يجيء فيها، ولكن في التي بعدها، وتكون سنة خضراء، فكان كذلك حسا ومعنى، فإنه تصدق بمال كثير، وبعث إلى السيد بمائة، ومات الشيخ بعد أن توعك قليلا بالحمى بعد عصر يوم الجمعة تاسع رمضان سنة ثلاث وثمانمائة، وصلي على صبح يوم السبت بالروضة، ثم دفن بالبقيع بالقرب من قبر الإمام مالك-رحمه الله-وكان له مشهد حافل جدا، وتأسف الناس، خصوصا أهل المدينة على فقده، وقبره ظاهر يزار رحمه الله وإيانا، ونفعنا ببركاته، ومما سمعته من نظمه:

المنجيات السبع منها الواقعة … وقبلها يس تلك الجامعة

والخمس الانشراح والدخان … والملك والبروج والإنسان

وقد وافقه في اسمه واسم أبيه ونسبته آخر، ترجمه شيخنا في سنة خمس وثلاثين وثمانمائة من أنبائه.

<<  <  ج: ص:  >  >>