ست وثمانين من مكة إلى المدينة ثم منها إلى البقيع، ثم من البر إلى القاهرة فأقام بها يومين (أو ثلاثة) حريصا على عدم الإعلام بنفسه، ثم توجه إلى بيت المقدس فزاره، ثم رجع إلى بلده، وكثر اختصاص أولي الأصوات اللينة ونحوهم به وهو يزيد في الإحسان إليهم مع حسن توجه في التلاوة والإنشاد وجلد على السهر في الأذكار والأوراد وخشوع عند الزيارة وخضوع حينئذ في العبارة وميل إلى الوفائية ونحوهم، وإلى التنزه والبروز إلى القضاء والحدائق بالحرمين سيما مسجد قباء، ومشهد حمزة ويعمل في كل منهما مولدا، وإذا خرج يكون معه ما يناسب الوقت من المأكل والطرف ونحوها، وقطعها بذلك أوقاتا طيبة، ويهرع لهذه المشاهد جمهور الناس، ويكاد أن يعمهم بالإطعام كما أنه يتكلف لكثيرين من أهل القافلة ولبعض من يمسه منه الأذى، سفرا أو حضرا، من أقربائه وذوي رحمه، ولذا وغيره كثرت ديونه بحيث أخبرني: أنها تقارب ثلاثة آلاف دينار، وأنشأ بكل من الحرمين بيتا، وأسند الخواجا حسين بن قاوان إليه وصيته لكونه كان زوجا لأخته في آخرين، ولم يسلم في كله من منتقد خصوصا وهو يتعالى عن الاجتماع بجل رفاقه في القضاء حتى لا يجلس في محل لا يرضاه، وقد رافقته في التوجه من مكة إلى المدينة في سنة سبع وثمانين، فحمدت مرافقته وأفضاله، وكثر اجتماعنا في الموضعين وزرنا جميعا كثيرا من مشاهد المدينة، كقباء والسيد حمزة والعوالي، وسمع مني بل كتبت عنه من نظمه، وعنده من تصانيفي عدة، وكان يعلمني بما يستفيده منها، ويستصحب بعضها في أسفاره، ويتلذذ بما يعجبه فيها من العبارات وبينه جماعته على ذلك، وكتبه ترد عليّ بالثناء البالغ والوصف لي بشيخ الإسلام، بل قال: بحضرتي في مجاورتي الرابعة للقاضي الشافعي: ولم يخلف شيخنا الأميني الأقصرائي في طريقته مع أهل الحرمين، وكذا وكذا: إلا فلانا، وقال مرة: وهو غيث بكل زمان ومكان حل به. نفع أهله-إلى غيرها، ثم تزايد من الأفضال جدا والثناء حتى بأمير المؤمنين وفي التماس اقتفائي في الزيارة حين التوجه في قافلته إلى أن مات، وذلك في ضحى يوم الخميس ليلة الجمعة النصف من شعبان سنة خمس وتسعين وثمانمائة بعد تعلل نحو نصف شهر شهيدا بالإسهال، وصلّي عليه بعد عصره بالروضة، ودفن بالبقيع عند قبر أمه، وتأسفنا على فقده، ورؤيت له منامات جمة صالحة، وما خلف بعده في مجموع ما أثبته مثله، وخلف ذكرا وأربع إناث من أمهات شتى عوضه الله الجنة، ورحمه وخلفه خيرا وأقر عينه بوفاء دينه، وفي ترجمته من الضوء اللامع من نظمه ونثره ما يشرح الخاطر بالبردة.
٢٦٨١ - عبد القادر بن محمد بن النور علي بن عمر بن حمزة، الإمام العلامة
محيي الدين:
ويلقب بدر الدين أيضا، القرشي العمري الحراني، ثم المدني الحنبلي،