إن عزيز الدولة مات فقيل: إنما غضبك من كلامه وقد مات فافعل ما يفعله الناس، فامتنع وصبر، فلما بنيت المئذنة الجديدة قيل له: إن هذه لم تكن موجودة حين يمينك، فاستقل بها فلم يفعل، واستمر كذلك حتى أراد الله تعالى فجاء عز الدين ليلة وقد مضى من الليل نصفه، فدق باب الحرم ودخل وقد لحقه اختلال فطلع المئذنة الجديدة تكلم على عادته، فأنكر الناس قيامه، ثم سكت ولم ينزل، فطلعوا إليه فوجدوه ميتا، وذلك في سنة عشر وسبعمائة رحمه الله، وفيها توفي عز الدين أيضا، فانحلت اليمين وطلع المئذنة في أيام الحريري، وكان من أكبر أحبابه، فانظر إلى هذه النفس الأبية والهمة العالية، وقال ابن فرحون أيضا في مقدمة تاريخه … حكى لي الشيخ الإمام العلامة أقضى القضاة جمال الدين (هذا): أنه كان بالمدينة رجل صالح عظيم القدر من أرباب القلوب يقال له: الزجاج، وهو من جملة شيوخه وشيوخ محمد بن إبراهيم المؤذن، وكان بعد موت والديهما مؤذنين متواخيين في رئاسة الآذان، يتعاقبون في الوقت، قال الجمال: فكنا نجيء لباب المسجد في السحر للدخول لأجل الآذان، فنجد الشيخ الزجاج قاعدا على الباب للذكر ويقرأ، قال: فأدق الباب فيقول لي صاحب النوبة: من هذا فأقول له: محمد فيفتح لي ثم يجيء صاحبي فيفعل معه كذلك، ثم كذلك لثلاثتنا، وكان اسمه عبد الرحمن خال محمد بن صالح نائب الإمامة والخطابة، قال: فخلا الشيخ بي وقال لي: يا محمد أنت تتصور ما أنا وأنت فيه في كل ليلة، فقلت له: لا علم لي صدقت لو علمت لظهر عليك أثره، ثم قال: أحضر عقلك وانظر إليّ كيف أبقى بعدك محجوبا عن الدخول وأنت مأذون لك فيه دوني، فتدخل وتجتمع بمحبوبك، وذكر حكاية.
٣٦٠٥ - محمد بن أحمد بن طاهر بن أحمد بن محمد بن محمد بن محمد
الشمس بن جلال الدين:
المدعو جلال بن الزين بن العلامة جلال الدين الخجندي الأصلي، المدني الحنفي، ويعرف بابن جلال، ولد في صفر سنة إحدى وخمسين وثمانمائة بطيبة ونشأ بها، فحفظ القرآن وغيره، وأقبل على التحصيل فأخذ ببلده عن محمد بن مبارك المغربي العربية، ولازم أحمد بن يونس المغربي (أيضا) فيها، وفي المنطقي والمعاني والبيان والحساب، وكذا أخذ العربية مع الصرف عن الشهاب الأبشيطي، والفقه في الابتدائي، عن عثمان الطرابلسي، والأصلين عن السيد السمهودي … قرأ عليه شرح جمع الجوامع لشيخه المحلي وشرح العقائد، ومما أخذ عنه في العربية وغيرها، وسمع على أبي الفرج المراغي وخاله الشمس حفيد الجلال الخجندي، كان ذلك بطيبة، بل دخل مكة غير مرة وأخذ بها الفلك والفرائض عن النور الزمزمي، ولقي بها الشمس بن أمير حاج، فقرأ عليه غالب المسايرة لشيخه ابن الهمام،