وممن ترجمه القطب الحلبي، ثم شيخنا، وابن صالح، وقال: كان يطرب بصوته في المئذنة، وفي الأسحار قديم الهجرة، سمع وروى وسافر ورحل ورأى علماء ومشايخ وأخيارا، ودرس الحديث بمدرسة ابن القلانسي، أخذها بعد الشهاب الصنعاني، وكذا ابن فرحون وقال: الشيخ الإمام العلامة أقضى القضاة شيخنا، كان إماما من أئمة الحديث والتاريخ والفقه والمشاركة في العلوم، ولي نيابة الحكم والخطابة والإمام عن القاضي الشرف الأميوطي، وكان رحمه الله جمالا للمنصب، متخلقا بأخلاق كل من ذكرته من الصالحين، ليس منهم شيخ ولا كبير قد إلا وهو معه في حوائجه ويساعده في قليله وكثيره لم نجد بعد والدنا مثله في الإحسان إلينا والشفقة علينا، ولي تربيتنا وتعليمنا والسعي في مصالحنا كأبينا، وكان لكل قادم إلى المدينة كالأهل في الإسكان والكسوة والتعريف وبرسه عند الشيخ والخدام، حسن المحاضرة إذا جلست إليه لم تحب مفارقته، لم يأت بعده مثله ولا علمت فيمن كان بعصرنا من له فضل، كان جامعا للمحاسن والفضائل، صدرا من صدور الأفاضل، وقد تخلل ذكرنا مع من ذكرنا من الشيوخ العاملين والأولياء الصالحين، لم نسمع أحسن من صوته في المنارة، كان يفضل على صاحبه محمد بن إبراهيم، إلا أنه كان لا يبذل عمله كما كان ذاك، فكان في عزة نفسه والمحافظة على مروءته في أعلا المقامات وأسنى التنزهات، وقد عرضت لي حكاية عنه فيها تسليك لمن ذاته علية وتغرية لمن نفسه خسيسة رديئة، لا يخرج إلى زيارة ولا يجتمعون في منتزه إلا أخذوه معهم، وكان قد شركه في المئذنة والرئاسة بها الشيخ عز الدين المؤذن، لأن المدينة لما لم يكن فيها من يوثق به في معرفة الأوقات وتحريرها، بعثوا لها من مصر ثلاثة رؤساء، أحدهم: والد صاحب الترجمة، والثاني إبراهيم والد محمد، والثالث عز الدين، فتوفي من عدا الثالث، وكانا النهاية في حزقة الوقت وحسن الصوت، وبقي عز الدين فطالت مدته حتى أسن وعجز، وكان حسن الهيئة، ذا لحية طويلة ورئاسة مليحة، واتفق أن خرج صاحب الترجمة يوما مع أصحابه، فباتوا في مسجد قباء، وقال لعز الدين: قم عني في نوبتي، فأخلفه عز الدين فلم يقم، وبقيت المئذنة شاغرة من الرئيس، فلما جاء صاحب الترجمة تكلم عليه الشيخ عزيز الدولة وأغلظ، فقال له: ما غبت حتى استنبت، ولكن غرني عز الدين، فلم يقبل عذره وكثر عليه الكلام فقال له الجمال: الكل عندي غير هذه المئذنة الطلاق الثلاث، يلزمني أن أذنت فيها حتى يموت عز الدين وعزيز الدولة، فتركه الشيخ وترك الكلام معه، وصار إذا كان الوقت يؤذن على باب جبريل في الأوقات كلها، وأصحابه يقسمون عليه الجامكية وهي يومئذ قليلة، فلما طال عمر عز الدين قال له الناس: اعمل ما عمله غيرك نزل الزوجة بطلقة مخالفة ثم ارجع إلى مئذنتك، ثم راجع زوجتك، فقال: لا أفعل هذا ولا يسمع عني ذلك، ولو كان في المئذنة ما عسى أن يكون، ثم