للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

اثنتي عشرة وسبعمائة. قال: فلم نلبث إلا قليلا، إذ جاء الخبر بحج السلطان من الشام، وجاءت الإقامات وتهدمت الإرجافات، وقوي حال أهل السنة والجماعة بعد تلك المخافة.

وأخبرني الشيخ أبو عبد الله محمد بن سالم المكي: أنه كان ساكنا في المدرسة الشهابية في بيت بإزاء صاحب الترجمة، قال: فكنت أدرس التنبيه، فأرفع صوي لكوني جهور به لا أحسن أقرأ إلا كذلك ولا أحفظ‍ إلا أن رفعت صوتي، قال: فتشوش الشيخ من رفع صوتي، وقال لي: فقلت له: يا سيدي. ما أقدر إلا هكذا، فقال لي: فاخفض قليلا فلم أفعل، فأصابني عارض من نزلة منعتني أن أتكلم، فمر علي فقال لي: يا محمد ما ترفع صوتك، فقلت بالإشارة يا سيدي أنا تائب إلى الله، ففرج الله عني في الحين. وكان صاحب الترجمة فقيه المدينة ومفتيها على مذهب مالك، وكان إذا سئل عن المسألة يقول للسائل: هل سألت الشيخ أبا عبد الله بن فرحون؟ -يعني والدي-فإن قال لا يقول له: اذهب واسأله، وأخبرني بما يقول لك، وإن قال: سألته، يقول له: فماذا قال لك؟ فإذا أخبره، نظر، فإن كان مما اتفقا عليه أمر السائل به، وإن كان مخالفا ما قال، قال له: اذهب حتى أجتمع به، فيجتمعان ويحرران المسألة ثم يأمران جميعا السائل بما يتفقان عليه، ولم يزالا كذلك حتى توفي الشيخ قبل والدي بمدة طويلة. وجاءت إلى السراج وظيفة التدريس بدرس سلار، فكتب عن والدي وطلع إلى صاحب الترجمة، وقال له: خذ هذه الوظيفة فدرس فيها، فقال له يا سراج الدين وأين أنت عن الشيخ أبي عبد الله بن فرحون؟. والله إنه أعلم وأحق بها مني، وامتنع منها حتى رجع إلى السراج يطلب لها والدي، وكان ذلك منه لشيء حسن من وقوعه، فوقع ما توقع والله غالب على أمره. وأخبرني الشيخ عمر الخراز:

أنه حضر موته، فكان يقرأ القرآن، فلما فاضت روحه كان يقرأ آية في سورة يوسف انتهت قراءته إليها، وهي قوله تعالى: {تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصّالِحِينَ}. وكان لي منه نصيب وافر ودعاء كثير، أرجو من الله أن يحقق لي قبوله، وذكره المجد فقال: كان من العباد المتكلمين والزهاد المتقللين، والأولياء المحققين والأسخياء المتصدقين. أضر في أواخر عمره، فعرض عليه الخدمة والقيام بنحو الطعام والإدام، وما لا بد منه للضرير من طبخ أو ملء إبريق من البئر. فامتنع وأبى كل الإباء ولم يجعل بينه وبين الله سببا، باشر بنفسه خدمة نفسه فثبت الله لذلك قدمه، وحفظه عن إخلال أعمال العميان وعصمه، وسلك في طريقته أحسن المسالك، وكان إليه مرجع الفتيا على مذهب مالك وتستنير بأنوار كراماته دياجير الحوالك، وذكره ابن صالح في تاريخه، وأنه مات بالمدينة ودفن بالبقيع. وأنه كان بالمدرسة الشهابية.

[١٦٥٤ - سليمان]

أبو الربيع الونشريسشي، قال ابن فرحون: إنه خلف إبراهيم العريان بالمدرسة الشيرازية، وكان من أصحابنا الكبار له مجاهدة وتوجه عظيم ومكاشفة في كل حين، ومتى شكى إليه من شدة الخوف اشتغل خاطره بتفريجها، وأطلعه الله في المنام

<<  <  ج: ص:  >  >>