كتابك أخذ من بيتي الساعة، ولكنهم سيردونه قريبا، وهذا شأنهم معي، فلا تكن له كئيبا، ولا تعده غريبا، ثم يرجع إليه فيعطيه الكتاب، ويقول: هذا هو قد رده إليّ الأصحاب، ومع ذلك كان كثير الصلاة والصيام والعبادة، عظيم الانقطاع إلى الله، قوي المجاهدة، عظيم الزهادة، وقد بلينا نحن بالآخرة بصاحب يجري مع الشيخ المذكور مجرى الإخوان، وهو معه في عالم التخيل كفرسي رهان، يتوهم خلوصا فيواصل، ويتخيل جسوما فيعاصل، فبين وضعه وفطامه طيف خيال، وبين نقصه وتمامه طوق ريال، بين احتراقه والتئامه فكرة، وبين افتراقه والتحامه خطرة، وقال ابن صالح، جاور بالمدينة حتى مات، ودفن هو وأخوه الزبير شرق قبة ابراهيم ابن النبي عليه السلام، وهو في الدرر لشيخنا.
٩٣٤ - الحسن بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب، أبو محمد الهاشمي سبط
رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فهو ابن ابنته السيدة فاطمة الزهراء:
وريحانته من الدنيا، وأحد أصحابه، ولد في شعبان-وقيل: في نصف رمضان-سنة ثلاث من الهجرة بالمدينة النبوية المهاجر إليها، وكان يشبه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قاله أبو جحيفة وأنس فيما صح عنهما، بل قاله أبو بكر الصديق رضي الله عنه، فإنه رآه يلعب، فأخذه وحمله على عنقه، وقال له: بأبي، شبيه بالنبي، ليس شبيها بعلي، وعلي يبتسم، ومناقبه رضي الله عنه كثيرة وشهيرة، وترجمته تحتمل مجلدا، وجمع عثمان بن عفان الناس يوما لشيء، وقيل له: تكلم يا أمير المؤمنين، فقال:
أنتظر سيد المسلمين، وسماه، وعهد إليه أبوه بالخلافة لما طعن، وبايعه على ذلك أزيد من أربعين ألفا، وبقي على ذلك سبعة أشهر بالعراق وما وراءها من خراسان، وبالحجاز واليمن وغير ذلك، ثم ترك الأمر لمعاوية رضي الله عنهما، وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في حقه «إن ابني هذا سيد، وسيصلح الله به بين فئتين من المسلمين عظيمتين» فكان كما أخبر، فإنه تابعه بعد وفاة أبيه سبعون ألفا فأكثر، فزهد في الخلافة ولم يردها، وسلمها إلى معاوية. وبايعه على شروط ووثائق، وحمل إليه معاوية مالا-قيل: إنه خمسمائة ألف، أو أربعمائة ألف-بعد أن قال له: لأجيزنك بجائزة ما أجزت بها أحدا قبلك، ولا أجيز بها أحدا من بعدك، وصرح الحسن قبل ذلك بأنه ترك الخلافة ابتغاء وجه الله، ولحقن دماء الأمة، وفي لفظ «لاتهتراق على يدي محجمة من دم»، وكسرت بذلك ظهور كثيرين من شيعته، من الغيظ، بحيث قيل له: يا مذل أعناق المؤمنين، فقال لقائل ذلك «لا تقل ذلك، إني كرهت أن أقتلكم في طلب الملك»، والتمس منه معاوية الصعود معه على المنبر: ويخبر الناس: أنه قد بايع معاوية، فصعد، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال «أيها الناس، إن الله هداكم بأولنا، وحقن دماءكم بآخرنا، وإني قد أخذت لكم على معاوية أن يعدل فيكم، وأن يوفر عليكم غنائمكم، وأن يقسم فيكم فيئكم»، ثم أقبل عليه، فقال «أكذلك؟» قال «نعم» ثم هبط من المنبر، وهو