عشر سنة، كما سيأتي في الزبير، وقال ابن فرحون: كان من العلماء المتقشفين المتخيلين، بحيث كان إذا خرج من بيته يقف ساعة يعوذ بابه ويحوطه، ويظن أنه يخلف على بيته فإذا رجع إليه، تخيل إليه أنه تحول وتغير، فيدعو على من فعل ذلك، وما ثم سوى الخبال، وكان على باب بيته ورقة طولية عريضة، فيها من التعاويذ والأقسام وعزائم الجان أنواع، كل ذلك مع الصلاح الكثير، والانقطاع العظيم، والتعبد والتحرز وكثرة الصدقة، وكان يتهم المحيوي الحوراني بأنه يسحره في كتبه وفي قدره، قال لي يوما: بينما قدري على النار إذ صار أسفلها مثل الغربال، ينزل منه المرق نزول المطر، فعلمت أنها مسحورة، فقرأت عليها كذا وكذا حتى زال عنها ذلك السحر، وكان إذا أعاره أحد كتابا ثم جاء لطلبه، يدخل بيته، فيدور، ثم يخرج، فيقول له: كتابك أخذ من بيتي ساعة، ولكنهم سيردونه إلي عن قريب، لأن هذه عادتهم معي فيه، فيذهب صاحب الكتاب، وهو متشوش الخاطر، ثم يرجع إليه فيجد كتابه، فيقول: هذا كتابك ردوه إلي، وقال للسراج ما حاصله: علمت قصيدة ذكرت فيها من صفات النبي صلّى الله عليه وسلّم ما لم يذكره غيري، فقال له: هات منها، فذكر أبياتا، منها:
فبوطئه صار التراب طهورا فقال له السراج: كذب من قال هذا، فأخذ عليه وهجره، وبعث إلى القاهرة يستفتي فيما يجب عليه، ومكث أياما لا يصلي خلفه، ويتركه حتى يقيم الصلاة ويدخل المحراب في العشاء الآخرة، فيتقدم إلى الشمعة فيقد منها شمعته والإمام يصلي، وربما ركع وهو قائم يحسن الطوافة، ويفته رأسها، حتى أنكر ذلك عليه، والسراج يتغافل عنه، ويكره شره، لأنه كان له بالقاهرة أهل وأقرباء، أجلهم أخوه حسين الأوساني، علامة القاهرة في وقته، وولده أيضا من المتقين، واستمر صاحب الترجمة على هذا حتى قام النكير عليه، وأخبرني: أنه لما انتقل من المدرسة، ومنع من الجامكية-وكان لها يومئذ وقع-لقيه رجل لا يعرفه، ولا يدري من هو فأعطاه صرة فيها القدر الذي كان يدفع له في المدرسة، وقال المجد: كان أحد الفضلاء الأبدال الجوالين في عالم الخيال، قد غلب عليه التوهم، والتخيل حتى سد عنه باب التدبير والتحيل، كان شأنه في التخيل من أعجب العجائب، وله فيه حكايات وواقعات وغرائب، إذا خرج من بيته يقف زمانا طويلا على الباب، ويقرأ عليه ويعوذ، ويحوط بآي كثيرة من الكتاب، ويحكمه بأقفال ومغاليق وثيقة، فإذا رجع لا يشك أنه تغير جميع ما في بيته حقيقة، وكان يتهم جماعة من الصالحين الكبار أنهم يسحرونه آناء الليل والنهار، ذكر بعض أشياخ الحرم، قال: قال لي يوما: بينما قدرتي على النار إذ صار أسفلها مثل الغربال، ينزل منها المرق نزول المطر، فعلمت أنها مسحورة، فقرأت عليها كذا وكذا، فزال واستوى الطعام في الحال، وإذا أعاره أحد كتابا، وجاء يطلبه يدخل بيته ويفتش، ثم يخرج ويقول: