للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ورجاله، سؤالا يشعر بالمحبة في الله للطف مقاله، ويتصدى لقضاء حوائجهم بنفس مبشوش ووجه بشوش. قد طهر الله قلبه من أدناس الغشوش، حتى كأنه لتمكن الإخلاص والودادة الربانية ملبوس مرشوش، وهي طويلة.

[١١٩٣ - دينار المعزي البدري]

قال ابن فرحون: كان من خدام المسجد النبوي، غاية في الإحسان والخيره قد جعل مسكنه دار الشرابي الذي بزقاق الخدام موئلا للخدام ومرفقا للمرتادين، يعد فيها للمرضى أنواعا من الأمواه والأشربة والأغذية، فلا يمرض فقير أو مجاور أو خادم إلا جاءه في الحين، وحمل إليه من كل ما يحتاج إليه. وعطاؤه كالسلاطين إن أعطى ماء لسان، أو ماء خلاف، وما أشبه ذلك ملاء الإناء، وكذلك يفعل في الشراب والسكر وغيرهما. ومتى وصف للفقير دواء سعى في تحصيله حتى يأتيه به، ثم إنه لا يزال يطبخ في بيته الأشياء اللطيفة المناسبة ويحملها بنفسه على يده، لا يستعين بعبده ولا بغلامه. وفعله هذا عام في جميع الناس حتى أهل الربط‍ والمدارس، فيأتيهم ويترفق لهم ويشفق عليهم ويشهيهم. هذا فعله فيما ملكت يمينه، وأما غير ذلك من مساعدة الضعفاء والقيام مع المنكسر بدين أو فقر فالعجب العجاب يخرج من ماله ويضمن في ذمته، ويدخل على الغريم في بيته. ولقد ضمن مرة نحو خمسين ألف درهم طولب بها وضيق عليه فيها، ففرج الله عنه بنيته وأمره في ذلك أجل من أن يوصف، بحيث يحتمل التدوين. وأما سعيه في التئام الكلمة واختلاجه بين الناس، وجمع الشمل بين الإخوان والتأليف بين الأقران: فمن عجائب الزمان. توفي سنة أربع وثلاثين وسبعمائة. وذكره المجد، فقال: كان هو والمتقدم قبله كأنهما ديناران وازنان، وفي ميزان الاختبار والاعتبار راجحان وازنان، وكان لم يل المشيخة لكن سبق في المكارم كثيرا من المشايخ، له قدم في المفاخر راسية، وعرق في الرئاسة راسخ غوث الراجين، وغيث للمحتاجين. كان مسكنه بدار الشرابي في زقاق الخدام، هيأ فيه منزلا للخاص والعام، وكل من يتحشم إليه بنقل الأقدام، قام في معارك المشار إليه إقدام وأي إقدام، وجعل في منزله مارستانا للمرضى ويعد القيام بحالهم عليه حتما فرضا. لا يسمع بمريض من الخدام والمجاورين والفقراء والمسافرين، إلا وتبادر في الحين إلى عيادته، ويحمل إليه من الأشربة والأغذية الملوكية حسب شهوة المريض وإرادته. وإذا وصف لمريض دواء مفقود بذل في تحصيله النقود، ولا يبقى في ذلك شيئا من المجهول. وأما ما هو سهل الوجدان كالسكر والشربات فهي مبذولة لكل سائل، محمولة إلى منازل المرضى المنقطعة الوسائل، يبذل بذل الملوك، ويعطي عطاء السلاطين، لا يفرق عند التصدق بين التبر والتين، ولا بين الطيب والطين، إذا سئل سكرة أعطى شيئا كثيرا وإذا طلب ماء ورد أو خلافه ملأ الإناء ولو كان كبيرا، وإذا تحقق مريضا داوم في بيته على الأغذية اللطيفة العطرة الفائقة والأدوية المناسبة اللائقة، ويحمله بنفسه ويحضرها عنده ولا يستعمل في ذلك أحد، لا غلامه ولا عبده، ولا

<<  <  ج: ص:  >  >>