الحوائج بطيب نفس وانشراح، وكان إذا غضب أو انزعج يرجع عن قريب، لا يؤيس من خيره ولو أيس بقوله، وطالت مدته. ثم عزل بمختار الديري الآتي ثم أعيد وهو بالقاهرة، وناب عنه في غيبته شمس الدين الجمداري، وصار عز الدين في ولايته على طريقته الأولى من فعل الخيرات، وعتق المماليك ووقف النخيل على الفقراء. فلما ضعف بدنه وقوته لكبر سنه، ولزم العزلة والإقبال على الخير، سعى عليه لذلك فولى افتخار الدين ياقوت الخازندار عوضه، في سنة ثمان وخمسين وسبعمائة، ولزم التأدب مع صاحب الترجمة بحيث كان يأتيه إلى مجلسه ويعوقه بالشهر، ويتقرب إليه حتى أحبه وصار يقول أنا خادم محتشم رئيس، ولقد صدق فيما قال. فلم يلبث أن مات في أيامه سنة إحدى وستين وسبعمائة، ولخص بعضهم هذه الترجمة وقال: إنه بعد استقراره حسنت سيرته إلى الغاية، ولازم التلاوة والعبادة، وعمل آثارا حسنة بالمسجد الشريف مع شدة على الرافضة وقيام في الأمور الشرعية. ومع ذلك انعزل بصفي الدين جوهر ولكن لم يتم له أمرا، وعزل قبل خروجه من القاهرة واستمر دينار على عادته، ثم عزل بالشريف مختص الخازندار، فباشر بأخلاق غير مرضية وترفع على الناس، فعزل وأعيد دينار، وبقي مختص نائبه في المشيخة لكبر سن دينار، وإقباله على العبادة، وإلى أن مات بعد عزله قبيل موته سنة ثمان وخمسين بافتخار الدين ياقوت. وذكره المجد، فقال: وكان كلقبه ذا عز ودين وحشمة وتمكين ورئاسة وترقين، وطريق رضى وحسن يقين. ولي المشيخة في الحرم الشريف النبوي، وعلى ساكنه أفضل الصلاة والسلام في عام سبع وعشرين وسبعمائة، بعد وفاة الشيخ ناصر الدين نصر عطا الله. وكان قد صحب أكابر الأشياخ وسادات المجاورين والعلماء المتقين، وكان بهديهم يهتدي وبطريقتهم يقتدي، وإلى خدمتهم ينتمي وعن المكاره بهمتهم يحتمي. وقف نفسه على أفضل العبادات فنال به أكمل السعادات وأجمل المرادات، وذلك أنه لم يبرح في قراءة القرآن، وقرى الأقران، ومد الخوان، وسد خلة الإخوان، بالإنعام والإحسان والمواظبة على القيام، والمداومة على الصيام في أكثر الأيام، بذل في الله الأنفاس والنفائس، وساس المنصب بعلو همته وكان أحسن سائس، شرح الله بولايته الصدور وأطلع به من أفق الكرم أتم بدور، ووقف أملاكا كثيرة ما بين نخيل ودور، واعتق من الإماء والعبيد زهاء الثلاثين بل تزيد، وكفل جماعات من الأرامل والأيتام وعمهم بالأنعام، ورتب لهم الشراب والطعام والمسكن والملبس والمقام، وأنالهم في جميع أحوالهم أحسن إنالة وبرهم ونعمهم بمثل ما بر به أهله وعياله. أما شدته على الأشراف فقد سبق فيه من تقدمه خفضا، وأما القيادة إلى الشرع الشريف: فكان إلى الأمد الأقصى ومسابقته إلى الخيرات كانت سدا ومبادرته إلى المآثر كانت جدا، ومساعدته لذوي الضرائر لا يعرف له أحدا حدا، ومع ملاطفته مع أولاد المجاورين تحكي ملاطفة الأب الرؤوف والأم العطوف، إذا رأى أحدا سأل عن حاله ثم عن حال عياله، ثم عن كل من في البيت من نسائه