والبدر بن العليف والبدر العيني والزين رضوان وابن السنديوني، ودخل القاهرة صحبة الحاج في أوائل سنة ثمان وخمسين، فولي بها إمامة مقام الحنبلي بالمسجد الحرام عوضا عن والده، وباشرها في يوم السبت خامس جمادي الأولى منها، ثم دخلها أيضا في سنة اثنتين وستين، وأقام بها إلى أن ولي قضاء الحنابلة بمكة في منتصف شوال من التي تليها بعناية الأميني الأقصرائي، وكان يحضر دروسه بحيث أخذ عنه في الأصلين والعربية وغيرها، ولازم صحبة أبي الفضل النويري الخطيب وغيره من الأعيان، ودخل مكة صحبة أمير الحاج المصري وهو لابس الخلعة في صبح يوم الخميس تاسع عشري ذي القعدة منها وقرئ توقيعه، ثم أضيف إليه في سنة خمس وخمسين قضاء المدينة النبوية، ومشى حاله وزال ما كان قلي به بعد مصاهرة البرهاني بن ظهيرة وزوجه بأخته، بحيث قال النور الفاكهي له من أبيات:
فلا تخش القلى منهم بوجه … فقد وافتك سيدة الجميع
كل ذلك بعد أن أخذ في الفقه عن شيخ الماضية وقاضيه العز الكناني والعربية عن التقي الشمني والعلاء الحصني وغيرهما، وعن العلاء أخذ أصول الدين، وقرأ عليه في شرح العقائد للتفتازاني وفي غيره، والأصول والمعاني وغيرهما من التقي الحصني، وكذا تلا لأبي عمرو ونافع وابن كثير: على الشمس محمد بن الشرف الششتري المدني، وقرأ السبعة على الشيخ عمر الحموي النجار، نزيل مكة، وقرأ في النحو ابتداء باقي المنحة، ولا أستبعد أخذه فيه عن القاضي عبد القادر، وبعد دخوله في القضاء، قدم عليهم بمكة العلاء المرداوي شيخ الحنابلة الدمشقيين فلازمه في قراءة غير تصنيف له … والتقى الجراعي أحد أعيان الحنابلة، وانتفع به وبتفننه وذكائه إلى غيرهم من الفضلاء، ولازم الأخذ لفنون من العقليات على مظفر الشيرازي، ولا زال يدأب-بعد إذن الأميني والتقي الحصني وغيرهما له-حتى تميز بوفور ذكائه، ودرس بالبنجالية وغيرها، كدرس خير بك، ثم بالمدرسة الأشرفية، وأخذ عنه الفضلاء في الفقه والأصلين والعربية والمعاني والبيان والقراءات وغيرها وأسمع الكتب الكبار، وكان زائد الذكاء والتودد، حسن العشرة والفتوة والتواضع، مع جودة الخط، وتوسع النظم والنثر، ولكن كثر استرواحه في الإقراء والتواضع، بحيث لم يجده كثيرون فيهما، وربما استشعر ذلك، فبالغ عند الغرباء في الاعتذار، وامتنع من عمل الخلع، متمسكا بأنه غالبا حيلة، وهي لا تجوز، ولم يعجب ذلك فضلاء مذهبه، وأقبل بأخرة على الاشتغال بالذكر والأوراد والتلاوة الجيدة بصوته الشجي المنعش حتى ارتقى إلى غاية شريفة في الخير، سيما وهو يتوجه في كل سنة إلى المدينة النبوية ويقيم بها غالبا نصف سنة، وربما أقام بها سنة كاملة بل جمع بين المساجد الثلاثة في عام، فإنه توجه في سنة