للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ذكروه له، لما كان عليه من الخير والورع والدين، فلما حصل معهم قاموا بحقه، وخدموه، وسعوا في رضاه، من غير أن يشعروه أن لهم غرضا، غير بركته وخدمته، فلما رأى ذلك منهم، اغتبط‍ بهم، وأنس ببنتهم، ووجد منهم الشفقة العظيمة، فأقام بمكة، وترك الرجوع إلى بلده، فرزق منها أئمة مكة اليوم، وقضاتها وخطباؤها وعلماؤها: الكمال أبو الفضل الشافعي، والنور المالكي، فتقدما على أقرانهما ورأسا؛ فولي الكمال قضاء مكة، وخطابا الحرم ونظره، والنور مقام الفقيه خليل، بعد ابن عمه عمر من إمامة المقام وإمامة الحج، وكان من حال أبيهما-صاحب الترجمة-أنه صحب زوجته إلى أن توفي والدها النجم سنة ثلاثين عن اثنتين وسبعين سنة، وهو معهم على ما يحب من العزة والإكرام، وترك المسألة عما يجب عليه من النفقة والأدام والكسوة، وما جرت به العادة مع الأزواج، وبعد موت والدها لم ير منهم ذلك الوجه الذي كان يعهده، فجاء مع زوجته إلى المدينة زائرا، وأراد الإقامة بها، ليذلها ويهذبها بالغربة والبعد عن أهلها، فامتنع أهلها، وشددوا في رجوعها معهم فقال-على طريق التغليظ‍ عليهم والتشديد في إقامة العذر-أنا قد حلفت بالطلاق الثلاث أن لا يكون لها معكم سفر في هذا الوقت، ولم تكن له نية، وإنما أراد التهويل عليهم، فعزموا عليه، والتزموا الرجوع إلى ما كان عليه، فسافر معهم، وقيدوا عليه يمينه، وأخذوه بظاهر لفظه، فطلقوها منه، فاشتد عليه الأمر، وعظم عليه ما وقع فيه، ولم يجد من يساعده على ما نواه إذ أسر النية، فلما رأى أنها بلية لا يمكن زوالها، رجع إلى المدينة، وأقام بها، فكان يصلي إلى جنبي الصلوات، فأرى منه من التوجع، والالتهاب، والشوق ما لم أره من أحد، فكنت أعذره في الباطن، وأهون عليه الأمر في الظاهر، فيقول: ويل للشجي من الخلي، ثم إنه لم يجد ما يغيظهم به إلا أخذ ولديه، فأخذهم بالشرع، فأقاما معه، وهما صغيران، فتعب وتعبا، فسهل الله من اختلسهما منه، وحملهما إلى مكة لأمهما وخالهما القاضي شهاب الدين، فربوهما أحسن تربية، فجاء منهما ما تقدم، ولما علم الفقيه خليل أن في فراقها له شبهة تورع من زواجها وتركها، فلم تزل كذلك حتى مات صاحب الترجمة بالمدينة، فحينئذ تزوجها، وماتت عنده رحمهم الله، وكان من بيت الكرامات والمكاشفات، لهم حكايات مغربات، ومقامات مشيدات. جلست إليه يوما بعد أن صليت ركعتين، وكان قد أظلنا مجيء الحاج، فكانت صلاتي كلها وسوسة بما يجيء به الحاج، وما يكون في وظائفي، وما يجيء فيها، وغير ذلك، فقال-عقب فراغي-يافقيه، ما أقل أدب العبد مع ربه!! الله تعالى خلقه وأوجده، وتكفل برزقه، وجعل الرزق يجري مع الحاجة، لا يتعداها، ولم يرد منه إلا الإخلاص والتوكل والعبادة، وقد جرب العبد وعده تعالى، فوجده صحيحا لا يختل معه، ورزقه يأتيه كل حين وكل يوم، وكل ساعة، حسبما يقدره الله تعالى، ثم إنه سبحانه أمره بصلاة وزكاة وصيام، ووقت لكل من ذلك وقتا، وأمره لا يتعداه بتقديم ولا

<<  <  ج: ص:  >  >>